واختلف القراء في قوله تعالى :﴿ إِنْ هذان لساحران ﴾ فقرأ أبو عمرو بن العلاء :"إِنَّ هذين" على إِعمال "إِنَّ" وقال : إِني لأستحيي من الله أن أقرأ "إِنْ هذان".
وقرأ ابن كثير :"إِنْ" خفيفه "هذانّ" بتشديد النون.
وقرأ عاصم في رواية حفص :"إِنْ" خفيفة "هذان" خفيفة أيضاً.
وقرأ نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي :"إِنّ" بالتشديد "هاذان" بألف ونون خفيفة.
فأما قراءة أبي عمرو، فاحتجاجه في مخالفة المصحف بما روى عن عثمان وعائشة، أن هذا من غلط الكاتب على ما حكيناه في قوله تعالى :﴿ والمقيمين الصلاة ﴾ في سورة [ النساء : ١٦٢ ].
وأما قراءة عاصم، فمعناها : ما هذان إِلا ساحران،
كقوله تعالى :﴿ وإِنْ نظنُّك لمن الكاذبين ﴾ [ الشعراء : ١٨٦ ] أي : ما نظنك إِلا من الكاذبين، وأنشدوا في ذلك :
ثكلتْك أمُّك إِن قتلتَ لَمُسْلِماً...
حَلّت عَليه عُقوبة المُتَعمِّدِ
أي : ما قتلت إِلا مسلماً.
قال الزجاج : ويشهد لهذه القراءة، ما روي عن أُبيِّ ابن كعبٍ أنه قرأ "ما هذان إِلا ساحران"، وروي عنه :"إِن هذان إِلا ساحران"، ورويت عن الخليل "إِنْ هذان" بالتخفيف، والإِجماع على أنه لم يكن أحدٌ أعلمَ بالنحو من الخليل.
فأما قراءة الأكثرين بتشديد "إِنَّ" وإِثبات الألف في قوله :"هاذان" فروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : هي لغة بلحارث بن كعب.
وقال ابن الأنباري : هي لغة لبني الحارث بن كعب، وافقتها لغة قريش.
قال الزجاج : وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب، وهو رأس من رؤوس الرواة : أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون : أتاني الزيدان، ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وأنشدوا :
فأَطْرَقَ إِطْرَاقَ الشُّجاعِ وَلَوْ رَأىَ...
مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
ويقول هؤلاء : ضربته بين أُذناه.
وقال النحويون القدماء : هاهنا هاء مضمرة، المعنى : إِنه هذان لساحران.


الصفحة التالية
Icon