فصل
قال الفخر :
﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) ﴾
اعلم أنه لما تقدم ذكر الموعد وهو يوم الزينة وتقدم أيضاً قوله :﴿ثُمَّ ائتوا صَفّاً﴾ [ طه : ٦٤ ] صار ذلك مغنياً عن قوله فحضروا هذا الموضع وقالوا :﴿إِمَّا أَن تُلْقِيَ﴾ لدلالة ما تقدم عليه وقوله :﴿إِمَّا أَن تُلْقِىَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ ألقى﴾ معناه إما أن تلقى ما معك قبلنا، وإما أن نلقى ما معنا قبلك، وهذا التخيير مع تقديمه في الذكر حسن أدب منهم وتواضع له، فلا جرم رزقهم الله تعالى الإيمان ببركته، ثم إن موسى عليه السلام قابل أدبهم بأدب فقال :﴿بَلْ أَلْقُواْ﴾ أما قوله :﴿بَلْ أَلْقُواْ﴾ ففيه سؤالان :
السؤال الأول : كيف يجوز أن يقول موسى عليه السلام :﴿بَلْ أَلْقُواْ﴾ فيأمرهم بما هو سحر وكفر لأنهم إذا قصدوا بذلك تكذيب موسى عليه السلام كان كفراً.
والجواب من وجوه : أحدها : لا نسلم أن نفس الإلقاء كفر ومعصية لأنهم إذا ألقوا وكان غرضهم أن يظهر الفرق بين ذلك الإلقاء وبين معجزة الرسول عليه السلام وهو موسى كان ذلك الإلقاء إيماناً وإنما الكفر هو القصد إلى تكذيب موسى وهو عليه السلام إنما أمر بالإلقاء لا بالقصد إلى التكذيب فزال السؤال.
وثانيها : ذلك الأمر كان مشروطاً والتقدير : ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين كما في قوله تعالى :﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّن مِّثْلِهِ إِن كُنتُمْ صادقين﴾ [ البقرة : ٢٣ ] أي إن كنتم قادرين.
وثالثها : أنه لما تعين ذلك طريقاً إلى كشف الشبهة صار ذلك جائزاً.