والجواب : جاز أن يكون تصغيراً لها أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي بيمينك فإنه بقدرة الله تعالى يتلقفها على وحدته وكثرتها وصغره وعظمها وجائز أن يكون تعظيماً لها أي لا تحتفل بهذه الأجرام الكثيرة فإن في يمينك شيئاً أعظم منها كلها وهذه على كثرتها أقل شيء عندها فألقه يتلقفها بإذن الله تعالى ويمحقها، أما قوله :﴿تَلْقَفْ﴾ أي فإنك إذا ألقيتها فإنها تلقف ما صنعوا قراءة العامة تلقف بالجزم والتشديد أي فألقها تتلقفها وقرأ ابن عامر تلقف بالتشديد وضم الفاء على معنى الحال أي ألقها متلقفة أو بالرفع على الاستئناف، وروى حفص عن عاصم بسكون اللام مع التخفيف أي تأخذ بفيها ابتلاعاً بسرعة واللقف والتلقف جميعاً يرجعان إلى هذا المعنى، وصنعوا ههنا بمعنى اختلقوا وزوروا والعرب تقول في الكذب : هو كلام مصنوع وموضوع وصحة قوله :﴿تَلْقَفْ﴾ أنه إذا ألقى ذلك وصارت حية تلقفت ما صنعوا وفي قوله :﴿فَأُلْقِيَ السحرة سُجَّداً﴾ [ طه : ٧٠ ] دلالة على أنه ألقى العصا وصارت حية وتلقفت ما صنعوه وفي التلقف دلالة على أن جميع ما ألقوه تلقفته وذلك لا يكون إلا مع عظم جسدها وشدة قوتها.
وقد حكى عن السحرة أنهم عند التلقف أيقنوا بأن ما جاء به موسى عليه السلام ليس من مقدور البشر من وجوه : أحدها : ظهور حركة العصا على وجه لا يكون مثله بالحيلة.
وثانيها : زيادة عظمه (١) على وجه لا يتم ذلك بالحيلة.
وثالثها : ظهور الأعضاء عليه من العين والمنخرين والفم وغيرها ولا يتم ذلك بالحيلة.
ورابعها : تلقف جميع ما ألقوه على كثرته وذلك لا يتم بالحيلة.
وخامسها : عوده خشبة صغيرة كما كانت وشيء من ذلك لا يتم بالحيلة ثم بين سبحانه وتعالى أن ما صنعوا كيد ساحر والمعنى أن الذي معك يا موسى معجزة إلهية والذي معهم تمويهات باطلة فكيف يحصل التعارض.
تَلْقَفْ وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ... قالَ هِيَ... أَهُشُّ بِها... وَلِيَ فِيها... قالَ أَلْقِها وعلى فرض عود الضمير على (ما) في قوله تعالى : ما فِي يَمِينِكَ فإن التأنيث أولى. (الصاوي).