أما قوله :﴿قَالُواْ آمَنَّا بِرَبّ هارون وموسى﴾ فاعلم أن التعليمية احتجوا بهذه الآية وقالوا : إنهم آمنوا بالله الذي عرفوه من قبل هارون وموسى فدل ذلك على أن معرفة الله لا تستفاد إلا من الإمام، وهذا القول ضعيف بل في قولهم :﴿امَنَّا بِرَبّ هارون وموسى﴾ فائدتان سوى ما ذكروه.
الفائدة الأولى : وهي أن فرعون ادعى الربوبية في قوله :﴿أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى﴾ [ النازعات : ٢٤ ] والإلهية في قوله :﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِي﴾ [ القصص : ٣٨ ] فلو أنهم قالوا : آمنا برب العالمين لكان فرعون يقول : إنهم آمنوا بي لا بغيري فلقطع هذه التهمة اختاروا هذه العبارة، والدليل عليه أنهم قدموا ذكر هارون على موسى لأن فرعون كان يدعي ربوبيته لموسى بناء على أنه رباه في قوله :﴿أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً﴾ [ الشعراء : ١٨ ] فالقوم لما احترزوا عن إيهامات فرعون لا جرم قدموا ذكر هارون على موسى قطعاً لهذا الخيال.
الفائدة الثانية : وهي أنهم لما شاهدوا أن الله تعالى خصهما بتلك المعجزات العظيمة والدرجات الشريفة لا جرم قالوا : رب هارون وموسى لأجل ذلك، ثم إن فرعون لما شاهد منهم السجود والإقرار خاف أن يصير ذلك سبباً لاقتداء سائر الناس بهم في الإيمان بالله تعالى وبرسوله ففي الحال ألقى شبهة أخرى في النبي فقال :﴿قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الذي عَلَّمَكُمُ السحر﴾ وهذا الكلام مشتمل على شبهتين.
إحداهما : قوله :﴿ءَامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لكم﴾ وتقريره أن الاعتماد على الخاطر الأول غير جائز بل لا بد فيه من البحث والمناظرة والاستعانة بالخواطر، فلما لم تفعلوا شيئاً من ذلك بل في الحال :﴿آمنتم له﴾ دل ذلك على أن إيمانكم ليس عن البصيرة بل عن سبب آخر.


الصفحة التالية
Icon