فصل
قال الفخر :
﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا ﴾
واعلم أن في قوله :﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى﴾ دلالة على أن موسى عليه السلام في تلك الحالة كثر مستجيبوه.
فأراد الله تعالى تمييزهم من طائفة فرعون وخلاصهم فأوحى إليه أن يسري بهم ليلاً، والسري اسم لسير الليل والإسراء مثله، فإن قيل : ما الحكمة في أن يسري بهم ليلاً، قلنا لوجوه : أحدها : أن يكون اجتماعهم لا بمشهد من العدو فلا يمنعهم عن استكمال مرادهم في ذلك.
وثانيها : ليكون عائقاً عن طلب فرعون ومتبعيه.
وثالثها : ليكون إذا تقارب العسكران لا يرى عسكر موسى عسكر فرعون فلا يهابوهم، أما قوله :﴿فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً فِى البحر يَبَساً﴾ ففيه وجهان : الأول : أي فاجعل لهم من قولهم ضرب له في ماله سهماً، وضرب اللبن عمله.
والثاني : بين لهم طريقاً في البحر بالضرب بالعصا وهو أن يضرب البحر بالعصا حتى ينفلق، فعدى الضرب إلى الطريق.
والحاصل أنه أريد بضرب الطريق جعل الطريق بالضرب يبساً ثم بين تعالى أن جميع أسباب الأمن كان حاصلاً في ذلك الطريق.
أحدها : أنه كان يبساً قرىء يابساً ويبساً بفتح الياء وتسكين الباء فمن قال : يابساً جعله بمعنى الطريق ومن قال يبساً بتحريك الباء فاليبس واليابس شيء واحد والمعنى طريقاً أيبس.
ومن قال : يبساً بتسكين الباء فهو مخفف عن اليبس، والمراد أنه ما كان فيه وحل ولا نداوة فضلاً عن الماء.
وثانيها : قوله :﴿لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تخشى﴾ أي لا تخاف أن يدركك فرعون فإني أحول بينك وبينه بالتأخير، قال سيبويه : قوله :﴿تَخَافُ﴾ رفعه على وجهين : أحدهما : على الحال كقولك غير خائف ولا خاش.