البحث الأول : روي في الأخبار أن موسى عليه السلام لما ضرب بعصاه البحر حصل اثنا عشر طريقاً يابساً يتهيأ طروقه وبقي الماء قائماً بين الطريق والطريق كالطود العظيم وهو الجبل.
فأخذ كل سبط من بني إسرائيل في طريق من هذه الطرق.
ومنهم من قال : بل حصل طريق واحد وحجة القول الأول الأخبار ومن القرآن قوله تعالى :﴿فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم﴾ [ الشعراء : ٦٣ ] وذلك لا يحصل إلا إذا حصل هناك طرق حتى يكون الماء القائم بين الطريقين كالطود العظيم وحجة القول الثاني ظاهر قوله :﴿فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً فِى البحر يَبَساً﴾ وذلك يتناول الطريق الواحد وإن أمكن حمله على الطرق نظراً إلى الجنس.
البحث الثاني : روي أن بني إسرائيل بعد أن أظهر موسى عليه السلام لهم الطريق وبينها لهم تعنتوا وقالوا : نريد أن يرى بعضنا بعضاً وهذا كالبعيد وذلك أن القوم لما أبصروا مجيء فرعون صاروا في نهاية الخوف والخائف إذا وجد طريق الفرار والخلاص كيف يتفرغ للتعنت البارد.
البحث الثالث : أن فرعون كان عاقلاً بل كان في نهاية الدهاء فكيف اختار إلقاء نفسه إلى التهلكة فإنه كان يعلم من نفسه أن انفلاق البحر ليس بأمره فعند هذا ذكروا وجهين.
أحدهما : أن جبريل عليه السلام كان على الرمكة فتبعه فرس فرعون، ولقائل أن يقول : هذا بعيد لأنه يبعد أن يكون خوض الملك في أمثال هذه المواضع مقدماً على خوض جميع العسكر وما ذكروه إنما يتم إذا كان الأمر كذلك وأيضاً فلو كان الأمر على ما قالوه لكان فرعون في ذلك الدخول كالمجبور وذلك مما يزيده خوفاً ويحمله على الإمساك في أن لا يدخل وأيضاً فأي حاجة لجبريل عليه السلام إلى هذه الحيلة وقد كان يمكنه أن يأخذه مع قومه ويرميه في الماء ابتداء، بل الأولى أن يقال : إنه أمر مقدمة عسكره بالدخول فدخلوا وما غرقوا فغلب على ظنه السلامة فلما دخل الكل أغرقهم الله تعالى.