أما العباد فهم الصَّفْوة التي اختارت مراد الله على مرادها، واختياره على اختيارها، فإنْ خيَّرهم :﴿ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [ الكهف : ٢٩ ] خرجوا عن اختيارهم لاختيار ربهم.
لذلك نسبهم الله إليه فقال :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ﴾ [ الحجر : ٤٢ ] وقال عنهم :﴿ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٦ ] وقال :﴿ وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً ﴾ [ الفرقان : ٦٣ ].
ويقول الحق سبحانه :﴿ فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً فِي البحر يَبَساً ﴾ [ طه : ٧٧ ] أي : يابساً جافاً وسط الماء.
والضرب : إيقاع شيء من ضارب بآلة على مضروب، ومنه ضرَب العملة أي : سكَّها وختمها، فبعد أنْ كان قطعةَ معدن أصبح عملة متداولة.
وضرب موسى البحر بعصاه فانفلق البحر وانحسر الماء عن طريق جافّ صالح للمشي بالأقدام، وهذه مسألة لا يتصورها قانون البشر ؛ لذلك يُطمئنه ربه ﴿ لاَّ تَخَافُ دَرَكاً ﴾ [ طه : ٧٧ ] أي : من فرعون أنْ يُدرِككَ ﴿ وَلاَ تخشى ﴾ [ طه : ٧٧ ] أي : غرقاً من البحر ؛ لأن الطريق مضروب أي : مُعَد ومُمهَّد وصالح لهذه المهمة.
وهذه معجزة أخرى لعصا موسى التي ألقاها، فصارت حية تسعى، وضرب بها البحر فانفلق فصار ما تحت العصا طريقاً يابساً، وما حولها جبالاً ﴿ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم ﴾ [ الشعراء : ٦٣ ] وهي التي ضرب بها الحجر فانبجس منه الماء.
والسياق هنا لم يذكر شيئاً عن الحوار الذي دار بين موسى وقومه حينما وقعوا في هذه الضائقة، لكن جاء في لقطة أخرى من القصة حيث قال تعالى :﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الجمعان قَالَ أَصْحَابُ موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [ الشعراء : ٦١٦٢ ].
وبتعدد اللقطات في القرآن تكتمل الصورة العامة للقصة، وليس في ذلك تكرار كما يتوهّم البعض.


الصفحة التالية
Icon