" لا يشكر الله من لم يشكر الناس " وهذا لما أوجب تقديمه هنا لا لهذا فقط، وذكروا اسم الرب إشارة إلى أنه سبحانه أحسن إليهما بإعلاء شأنهما على السحرة، وعلى من كانوا يقرون بالربوبية، وهو فرعون الذي لم يغن عنهم شيئاً، فكانوا أول النهار سحرة، وآخر شهداء بررة، وهذه الآية في أمثالها من أي هذه السور وغيرها مما قدم فيه ما يتبادر أن حقه التأخير وبالعكس لأنحاء من المعاني دقيقة، هي التي حملت بعض من لم يرسخ إلى أن يقول : إن القرآن يراعي الفواصل كما يتكلف بلغاء العرب السجع، وتبعه جمع من المتأخرين تقليداً، وقد عاب النبي ـ ﷺ ـ ذلك حين قال :" سجع كسجع الجاهلية أو قال : الكهان " وقد علم مما ذكرته أن المعنى الذي بنيت عليه السورة ما كان ينتظم إلا بتقديم هارون، ويؤيد ذلك أنه قال هنا ﴿إنا رسولا﴾ وفي الشعراء ﴿رسول﴾، وقد قال الإمام فخر الدين الرازي كما حكاه عنه الشيخ أبو حيان في سورة فاطر من النهر : لا يقال في شيء من القرآن : أنه قدم أو أخر لأجل السجع، لأن معجزة القرآن ليست في مجرد اللفظ، بل فيه وفي المعنى، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب إعجاز القرآن : ذهب أصحابنا كلهم إلى نفي السجع من القرآن وذكره أبو الحسن الأشعري في غير موضع من كتبه، ثم رد على المخالف بأن قال : والذي يقدرونه أنه سجع فهو وهم، لأنه قد يكون الكلام على مثال السجع وإن لم يكن سجعاً لأن السجع يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع.
وليس كذلك ما اتفق مما هو في تقدير السجع من القرآن، لأن اللفظ يقع فيه تابعاً للمعنى، وفصل بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود فيه وبين أن يكون المعنى منتظماً دون اللفظ.
ومتى ارتبط المعنى بالسجع كان إفادة السجع كإفادة غيره.


الصفحة التالية
Icon