كثير اختلاف المفسرين في قوله تعالى :﴿ثُمَّ اهتدى﴾ وسبب ذلك أن من تاب وآمن وعمل صالحاً فلا بد وأن يكون مهتدياً، فما معنى قوله ثم اهتدى بعد ذكر هذه الأشياء ؟ والوجوه الملخصة فيه ثلاثة.
أحدها : المراد منه الاستمرار على تلك الطريقة إذ المهتدي في الحال لا يكفيه ذلك في الفوز بالنجاة حتى يستمر عليه في المستقبل ويموت عليه ويؤكده قوله تعالى :﴿إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا﴾ [ فصلت : ٣٠ ] وكلمة ثم للتراخي في هذه الآية وليست لتباين المرتبتين بل لتباين الوقتين فكأنه تعالى قال : الإتيان بالتوبة والإيمان والعمل الصالح مما قد يتفق لكل أحد ولا صعوبة في ذلك إنما الصعوبة في المداومة على ذلك والاستمرار عليه.
وثانيها : المراد من قوله :﴿ثُمَّ اهتدى﴾ أي علم أن ذلك بهداية الله وتوفيقه وبقي مستعيناً بالله في إدامة ذلك من غير تقصير، عن ابن عباس.
وثالثها : المراد من الإيمان الاعتقاد المبني على الدليل والعمل الصالح إشارة إلى أعمال الجوارح بقي بعد ذلك ما يتعلق بتطهير القلب من الأخلاق الذميمة وهو المسمى بالطريقة في لسان الصوفية، ثم انكشاف حقائق الأشياء له وهو المسمى بالحقيقة في لسان الصوفية فهاتان المرتبتان هما المرادتان بقوله :﴿ثُمَّ اهتدى ﴾.
المسألة العاشرة :
منهم من قال : تجب التوبة عن الكفر أولاً ثم الإتيان بالإيمان ثانياً واحتج عليه بهذه الآية فإنه تعالى قدم التوبة على الإيمان، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن العمل الصالح غير داخل في الإيمان لأنه تعالى عطف العمل الصالح على الإيمان والمعطوف مغاير للمعطوف عليه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٢ صـ ٨٢ ـ ٨٥﴾


الصفحة التالية
Icon