والجواب : لعل موسى عليه السلام إنما أمره بالذهاب إليه بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى فساد في القوم فلما قال موسى :( ما منعك أن لا تتبعن ) قال لأنك إنما أمرتني باتباعك إذا لم يحصل الفساد فلو جئتك مع حصول الفساد ما كنت مراقباً لقولك.
قال الإمام أبو القاسم الأنصاري : الهداية أنفع من الدلالة فإن السحرة كانوا أجانب عن الإيمان وما رأوا إلا آية واحدة فآمنوا وتحملوا العذاب الشديد في الدنيا ولم يرجعوا عن الإيمان، وأما قومه فإنهم رأوا انقلاب العصا ثعباناً والتقم كل ما جمعه السحرة ثم عاد عصا ورأوا اعتراف السحرة بأن ذلك ليس بسحر وأنه أمر إلهي ورأوا الآيات التسع مدة مديدة ثم رأوا انفراق البحر إثني عشر طريقاً وأن الله تعالى أنجاهم من الغرق وأهلك أعداءهم مع كثرة عددهم، ثم إن هؤلاء مع ما شاهدوا من هذه الآيات لما خرجوا من البحر ورأوا قوماً يعبدون البقر قالوا : اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، ولما سمعوا صوتاً من عجل عكفوا على عبادته، وذلك يدل على أنه لا يحصل الغرض بالدلائل بل بالهداية، قرأ حمزة والكسائي :( يا ابن أم ) بكسر الميم والإضافة ودلت كسرة الميم على الياء والباقون بالفتح وتقديره يا ابن أماه، والله أعلم.
﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (٩٥) ﴾
اعلم أن موسى عليه السلام لما فرغ من مخاطبة هارون عليه السلام وعرف العذر له في التأخير أقبل على السامري ويجوز أن يكون قد كان حاضراً مع هارون عليه السلام فلما قطع موسى الكلام مع هارون أخذ في التكلم مع السامري، ويجوز أن يكون بعيداً ثم حضر السامري من بعد أو ذهب إليه موسى ليخاطبه، فقال موسى عليه السلام :﴿مَا خَطْبُكَ ياسامري﴾ والخطب مصدر خطب الأمر إذا طلبه، فإذا قيل لمن يفعل شيئاً ما خطبك ؟ معناه ما طلبك له والغرض منه الإنكار عليه وتعظيم صنعه ثم ذكر السامري عذره في ذلك فقال :﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ﴾ وفيه مسألتان :