وأما منافع الدنيا فهو أنه تعالى قبل إهلاك فرعون كان قد وعدهم أرضهم وديارهم، وقد فعل ذلك ثم قال :﴿أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّكُمْ﴾ فالمراد أفنسيتم ذلك العهد أم تعمدتم المعصية، واعلم أن طول العهد يحتمل أموراً : أحدها : أفطال عليكم العهد بنعم الله تعالى من إنجائه إياكم من فرعون وغير ذلك من النعم المعدودة المذكورة في أوائل سورة البقرة وهذا كقوله :﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمد فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ [ الحديد : ١٦ ].
وثانيها : يروى أنهم عرفوا أن الأجل أربعون ليلة فجعلوا كل يوم بأزاء ليلة وردوه إلى عشرين.
قال القاضي : هذا ركيك لأن ذلك لا يكاد يشتبه على أحد.
وثالثها : أن موسى عليه السلام وعدهم ثلاثين ليلة فلما زاد الله تعالى فيها عشرة أخرى كان ذلك طول العهد، وأما قوله :﴿أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّكُمْ﴾ فهذا لا يمكن إجراؤه على الظاهر لأن أحداً لا يريد ذلك ولكن المعصية لما كانت توجب ذلك، ومريد السبب مريد للمسبب بالعرض صح هذا الكلام واحتج العلماء بذلك على أن الغضب من صفات الأفعال لا من صفات الذات لأن صفة ذات الله تعالى لا تنزل في شيء من الأجسام.
أما قوله :﴿فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِى﴾ فهذا يدل على موعد كان منه عليه السلام مع القوم وفيه وجهان : أحدهما : أن المراد ما وعدوه من اللحاق به والمجيء على أثره.
والثاني : ما وعدوه من الإقامة على دينه إلى أن يرجع إليهم من الطور، فعند هذا قالوا :﴿مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٢ صـ ٨٥ ـ ٨٩﴾


الصفحة التالية
Icon