الفتنة به وجاز ذلك على الله تعالى كقصة الدجال الذي تخرق له العادات لانه مدعي الربوبية ولو كان مدعي نبوءة لما صح شيء من ذلك. فلما رأى السامري مدعا ورأى سفه بني إسرائيل في طلبهم من موسى آلهة حين مروا على قوم يعبدون أصناماً على صفة البقر، وقيل كانت بقراً حقيقة علم أنه سيفتنهم من هذه الطريق، فيروى أنه قال لهم إن الحلي الذي عندكم من مال القبط قبيح بكم حبسه ولكن اجمعوه عندي حيت يحكم الله لكم فيه، وقيل إن هارون عليه السلام أمرهم بجمعه ووضعه في حفرة حتى يجيء موسى ويستأذن فيه ربه، وقيل بل كان المال الذي جمعوه للسامري مما لفظ البحر من أموال الغارقين مع فرعون، فروي مع هذا الاختلاف أن الحلي اجتمع عند العجل وأنه صاغ العجل وألقى القبضة فيه فخار، وروي وهو الأصح الأكثر أنه ألقى الناس الحلي في حفرة أو نحوها وألقى هو عليه القبضة فتجسد العجل وهذا وجه فتنة الله تعالى لهم، وعلى هذا تقول انخرقت السامري عادة وأما على أن يصوغه فلم تتخرق له عادة وإنما فتنوا حينئذ بخواره فقط وذلك الصوت قد تولد في الأجرام بالصنعة فلما أخبره الله تعالى رجع موسى ﴿ إلى قومه غضبان أسفاً ﴾ عليهم من حيث له قدرة على تغيير منكرهم ﴿ أسفاً ﴾ أي حزيناً من حيث علم أنه موضع عقوبة مأموله فدفعها ولا بد منها، والأسف في كلام العرب متى كان من ذي قدرة على من دونه فهو غضب، ومتى كان من الأقل على الأقوى فهو حزن، وتأمل ذلك فهو مطرد إن شاء الله عز وجل.
﴿ قَالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ ﴾


الصفحة التالية
Icon