إذا ثبت ذلك فاعلم أن الأمر بالمعروف والشفقة على المسلمين واجب.
ثم إن هارون عليه السلام رأى القوم متهافتين على النار ولم يبال بكثرتهم ولا بقوتهم بل صرح بالحق فقال :﴿ياقوم إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ﴾ الآية وههنا دقيقة وهي أن الرافضة تمسكوا بقوله عليه السلام لعلي :" أنت مني بمنزلة هرون من موسى " ثم إن هرون ما منعته التقية في مثل هذا الجمع بل صعد المنبر وصرح بالحق ودعا الناس إلى متابعة نفسه والمنع من متابعة غيره، فلو كانت أمة محمد ﷺ على الخطأ لكان يجب على علي عليه السلام أن يفعل ما فعله هارون عليه السلام وأن يصعد على المنبر من غير تقية وخوف وأن يقول :﴿فاتبعونى وَأَطِيعُواْ أَمْرِى﴾ فلما لم يفعل ذلك علمنا أن الأمة كانوا على الصواب، واعلم أن هرون عليه السلام سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه لأنه زجرهم عن الباطل أولاً بقوله :﴿إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ﴾ ثم دعاهم إلى معرفة الله تعالى ثانياً بقوله :﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن﴾ ثم دعاها ثالثاً إلى معرفة النبوة بقوله :﴿فاتبعونى﴾ ثم دعاهم إلى الشرائع رابعاً بقوله :﴿وَأَطِيعُواْ أَمْرِى﴾ وهذا هو الترتيب الجيد لأنه لا بد قبل كل شيء من إماطة الأذى عن الطريق وهو إزالة الشبهات ثم معرفة الله تعالى هي الأصل ثم النبوة ثم الشريعة، فثبت أن هذا الترتيب على أحسن الوجوه، وإنما قال :﴿وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرحمن﴾ فخص هذا الموضع باسم الرحمن لأنه كان ينبئهم بأنهم متى تابوا قبل الله توبتهم لأنه هو الرحمن الرحيم، ومن رحمته أن خلصهم من آفات فرعون. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٢ صـ ٨٩ ـ ٩٢﴾