وقرأ حمزة والكسائي والأعمش وخلف :" ما لم تبصروا به " بالمثناة من فوق على الخطاب، وقرأ الباقون بالتحتية، وهي أولى ؛ لأنه يبعد كلّ البعد أن يخاطب موسى بذلك ويدّعي لنفسه أنه علم ما لم يعلم به موسى، وقرىء بضم الصاد فيهما وبكسرها في الأوّل وفتحها في الثاني، وقرأ أبيّ بن كعب وابن مسعود والحسن وقتادة :" فقبضت قبصة " بالصاد المهملة فيهما، وقرأ الباقون بالضاد المعجمة فيهما، والفرق بينهما أن القبض بالمعجمة : هو الأخذ بجميع الكف، وبالمهملة بأطراف الأصابع.
والقبضة بضم القاف : القدر المقبوض.
قال الجوهري : هي ما قبضت عليه من شيء، قال : وربما جاء بالفتح، وقد قرىء :" قبضة " بضم القاف وفتحها، ومعنى الفتح : المرّة من القبض، ثم أطلقت على المقبوض وهو معنى القبضة بضم القاف، ومعنى ﴿ مِّنْ أَثَرِ الرسول ﴾ : من المحل الذي وقع عليه حافر فرس جبريل، ومعنى ﴿ فَنَبَذْتُهَا ﴾ : فطرحتها في الحليّ المذابة المسبوكة على صورة العجل ﴿ وكذلك سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾ قال الأخفش : أي زينت، أي ومثل ذلك التسويل : سوّلت لي نفسي.
وقيل : معنى ﴿ سوّلت لي نفسي ﴾ : حدّثتني نفسي.
فلما سمع موسى منه قال :﴿ فاذهب فَإِنَّ لَكَ فِى الحياة أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ ﴾ أي : فاذهب من بيننا واخرج عنا فإن لك في الحياة، أي ما دمت حياً، وطول حياتك أن تقول : لا مساس.
المساس مأخوذ من المماسة، أي لا يمسك أحد ولا تمسّ أحداً، لكن لا بحسب الاختيار منك، بل بموجب الاضطرار الملجىء إلى ذلك ؛ لأن الله سبحانه أمر موسى أن ينفي السامريّ عن قومه، وأمر بني إسرائيل أن لا يخالطوه ولا يقربوه ولا يكلموه عقوبة له.
قيل : إنه لما قال له موسى ذلك هرب، فجعل يهيم في البرية مع السباع والوحش لا يجد أحداً من الناس يمسه، حتى صار كمن يقول : لا مساس، لبعده عن الناس وبعد الناس عنه، كما قال الشاعر :


الصفحة التالية
Icon