وثالثها : قوله :﴿لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً﴾ وقال صاحب "الكشاف" : قد فرقوا بين العِوج والعَوج فقالوا : العوج بالكسر في المعاني والعوج بالفتح في الأعيان، فإن قيل : الأرض عين فكيف صح فيها المكسور العين ؟ قلنا : اختيار هذا اللفظ له موقع بديع في وصف الأرض بالاستواء ونفي الاعوجاج، وذلك لأنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها وبالغت في التسوية فإذا قابلتها المقاييس الهندسية وجدت فيها أنواعاً من العوج خارجة عن الحس البصري.
قال فذاك القدر في الاعوجاج لما لطف جداً ألحق بالمعاني فقيل فيه : عوج بالكسر، واعلم أن هذه الآية تدل على أن الأرض تكون ذلك اليوم كرة حقيقية لأن المضلع لا بد وأن يتصل بعض سطوحه بالبعض لا على الاستقامة بل على الاعوجاج وذلك يبطله ظاهر الآية.
ورابعها : الأمت النتوء اليسير، يقال : مد حبله حتى ما فيه أمت وتحصل من هذه الصفات الأربع أن الأرض تكون ذلك اليوم ملساء خالية عن الارتفاع والانخفاض وأنواع الانحراف والإعوجاج.
الصفة الثانية : ليوم القيامة قوله :﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعى لاَ عِوَجَ لَهُ﴾ وفي الداعي قولان : الأول : أن ذلك الداعي هو النفخ في الصور وقوله :﴿لاَ عِوَجَ لَهُ﴾ أي لا يعدل عن أحد بدعائه بل يحشر الكل.
الثاني : أنه ملك قائم على صخرة بيت المقدس ينادي ويقول : أيتها العظام النخرة، والأوصال المتفرقة، واللحوم المتمزقة، قومي إلى ربك للحساب والجزاء.
فيسمعون صوت الداعي فيتبعونه، ويقال : إنه إسرافيل عليه السلام يضع قدمه على الصخرة فإن قيل هذا الدعاء يكون قبل الإحياء أو بعده ؟ قلنا : إن كان المقصود بالدعاء إعلامهم وجب أن يكون ذلك بعد الإحياء لأن دعاء الميت عبث وإن لم يكن المقصود إعلامهم بل المقصود مقصود آخر مثل أن يكون لطفاً للملائكة ومصلحة لهم فذلك جائز قبل الإحياء.