ولما كان المقصود من السورة - كما سلف - الإعلام بالحلم والأناة والتلطف بالنائي والقدرة على المعرض، ذكر فعله آدم عليه السلام هذه في هذه السورة بلفظ المعصية مع التصريح بأنها على وجه النسيان، وذكر ذلك أولاً مجملاً ثم أتبعه تفصيله ليكون ذلك مذكوراً مرتين، تأكيداً للمعنى المشار إليه، تقريراً وتحذيراً من الوقوع في منهيّ، وإرشاداً لمن " غلب عليه " طبع النقص إلى المباردة إلى الندم وتعاطي أسباب التوبة ليتوب الله عليه ما فعل بآدم عليه السلام فقال :﴿وإذ﴾ أي اذكر هذا واذكر حين ﴿قلنا﴾ بما لنا من العظمة، أي اذكر قولنا في ذلك الوقت ﴿للملائكة﴾ أي المجبولين على مضي العزم والتصميم على القصد من غير مانع تردد ولا عائق فتور ﴿اسجدوا لآدم﴾ الذي خلقته بيدي، فلم نأمرهم بذلك إلا بعد أن اصطفيناه ونحن عالمون بما سيقع منه، وأنه لا يقدح في رتبة اصطفائه، فإن الحلم والكرم من صفاتنا، والرحمة من شأننا، فلا تيأس من عودنا بالفضل والرحمة على من بالغ في مقاطعتنا من قومك الذين وصفناهم باللدد ﴿فسجدوا﴾ أي الملائكة ﴿إلا إبليس﴾ الذي نسب الله إلى الجور والإخلال بالحكمة فكفر فأيس من الرحمة وسلب الخير فأصر على إضلال الخلق بالتلبيس، فكأنه قيل : ما كان من حاله في عدم سجوده؟ فقيل :﴿أبى﴾ أي تكبر على آدم فعصى أمر الله ﴿فقلنا﴾ بسبب ذلك بعد أن حلمنا عنه ولم نعاجله بالعقوبة :﴿يا آدم إن هذا﴾ الشيطان الذي تكبر عليك ﴿عدو لك﴾ دائماً لأن الكبر الناشىء عن الحسد لا يزول ﴿ولزوجك﴾ لأنها منك ﴿فلا يخرجنكما﴾ أي لا تصغيا إليه بوجه فيخرجكما، ووجه النهي إليه والمراد : هما، تنبيهاً على أن لها من الجلالة ما ينبغي أن تصان عن أن يتوجه إليها نهي، وأسند الإخراج إليه لزيادة التحذير والإبلاغ في التنفير، وزاد في التنبيه بقوله :﴿من الجنة﴾ أي فإنه لا يقصر في ضركما وإرادة إنزالكما عنها.


الصفحة التالية
Icon