وَأَمَّا أَنْ نَبْتَدِئَ فِي ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِنَا فَلَيْسَ بِجَائِزٍ لَنَا فِي آبَائِنَا الْأَدْنَيْنَ إلَيْنَا، الْمُمَاثِلَيْنِ لَنَا، فَكَيْفَ بِأَبِينَا الْأَقْدَمِ الْأَعْظَمِ، النَّبِيِّ الْمُقَدَّمِ، الَّذِي عَذَرَهُ اللَّهُ، وَتَابَ عَلَيْهِ، وَغَفَرَ لَهُ.
وَوَجْهُ الْخَطَأِ فِي قِصَّةِ آدَمَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، وَلَكِنَّ وُجُوهَ الِاحْتِمَالَاتِ تَتَصَرَّفُ، وَالْمُدْرَكُ
مِنْهَا عِنْدَنَا أَنْ يُذْهَلَ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ، كَمَا ضَرَبْنَا الْمَثَلَ فِي دُخُولِ الدَّارِ.
الثَّانِي : أَنْ يُذْهَلَ عَنْ جِنْسٍ مَنْهِيٍّ مِنْهُ، وَيَعْتَقِدَهُ فِي عَيْنِهِ ؛ إذْ قَالَ اللَّهُ لَهُ هَذِهِ الشَّجَرَةُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
الثَّالِثُ : أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الْجَزْمِ الشَّرْعِيِّ لِمَعْنًى مُغَيَّبٍ.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ :﴿ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ ﴾.
قُلْنَا : قَدْ قِيلَ مَعْنَاهُ مِنْ الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِكُمَا، كَمَا قَالَ :﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾.
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَهُوَ الَّذِي نَسِيَ مِنْ تَحْذِيرِ اللَّهِ لَهُ، أَوْ تَأْوِيلُهُ فِي تَنْزِيلِهِ، وَرَبُّك أَعْلَمُ كَيْفَ دَارَ الْحَدِيثُ.
وَالتَّعْيِينُ يَفْتَقِرُ إلَى تَأْوِيلِهِ، وَكَذَلِكَ قُلْنَا إنَّ النَّاسِيَ فِي الْحِنْثِ مَعْذُورٌ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أ هـ ﴿أحكام القرآن لابن العربى حـ ٣ صـ ﴾