وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَعَنَتِ الوجوه ﴾
أي ذلّت وخضعت ؛ قاله ابن الأعرابي وغيره.
ومنه قيل للأسير عانٍ.
قال أمية بن أبي الصَّلْت :
مليكٌ على عرش السّماءِ مُهَيْمِنٌ...
لعزّته تَعنُو الوجوهُ وتَسجدُ
وقال أيضاً :
وَعَنَا له وَجْهِي وخَلْقِي كلُّه...
في الساجدين لوجهه مَشْكُورَا
قال الجوهري : عنا يعنو خضع وذلّ وأعناه غيره ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَيِّ القيوم ﴾.
ويقال أيضاً : عَنا فيهم فلان أسيراً ؛ أي أقام فيهم على إساره واحتبس.
وَعَنَّاه غيرُه تعنيةً حبسه.
والعاني الأسير.
وقوم عُناة ونسوة عَوَانٍ.
وَعَنَتْ به أمورٌ نزلت.
وقال ابن عباس :"عَنَت" ذلّت.
وقال مجاهد : خشعت.
الماوردي : والفرق بين الذل والخشوع وإن تقارب معناهما أن الذل أن يكون ذليل النفس، والخشوع أن يتذلل لذي طاعة.
وقال الكلبي :"عنت" أي عملت.
عطية العوفي : استسلمت.
وقال طَلْق بن حبيب : إنه وضع الجبهة والأنف على الأرض في السجود.
النحاس :﴿ وَعَنَتِ الوجوه ﴾ في معناه قولان : أحدهما : أن هذا في الآخرة.
وروى عكرمة عن ابن عباس "وَعَنَتِ الْوجُوهُ لِلْحَيّ الْقَيُّومِ" قال : الركوع والسجود ؛ ومعنى "عنت" في اللغة القهر والغلبة، ومنه فتحت البلاد عَنوة أي غلبة ؛ قال الشاعر :
فما أخذوها عَنْوةً عن مودّة...
ولكنْ بضرب المَشْرَفيّ اسْتقَالَها
وقيل : هو من العناء بمعنى التعب ؛ وكنى عن الناس بالوجوه ؛ لأن آثار الذل إنما تتبين في الوجه.
﴿ لِلْحَيِّ القيوم ﴾ وفي القيوم ثلاثة تأويلات ؛ أحدها : أنه القائم بتدبير الخلق.
الثاني : أنه القائم على كل نفس بما كسبت.
الثالث : أنه الدائم الذي لا يزول ولا يبيد.
وقد مضى في "البقرة" هذا.
﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً ﴾ أي خسر من حمل شركاً.
قوله تعالى :﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ لأن العمل لا يقبل من غير إيمان.


الصفحة التالية
Icon