وقال أبو حيان :
وتقدم الكلام في ﴿ فوسوس ﴾ والخلاف في كيفيتها في الأعراف، وتعدى وسوس هنا بإلى وفي الأعراف باللام، فالتعدي بإلى معناه أنهى الوسوسة إليه والتعدّي بلام الجر، قيل معناه : لأجله ولما وسوس إليه ناداه باسمه ليكون أقبل عليه وأمكن للاستماع، ثم عرض عليه ما يلقى بقوله ﴿ هل أدلك ﴾ على سبيل الاستفهام الذي يشعر بالنضح.
ويؤثر قبول من يخاطبه كقول موسى ﴿ هل لك إلى أن تزكى ﴾ وهو عرض فيه مناصحة، وكان آدم قد رغبه الله تعالى في دوام الراحة وانتظام المعيشة بقوله ﴿ فلا يخرجنكما ﴾ الآية ورغبة إبليس في دوام الراحة بقوله :﴿ هل أدلك ﴾ فجاءه إبليس من الجهة التي رغبه الله فيها.
وفي الأعراف ﴿ ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة ﴾ الآية.
وهنا ﴿ هل أدلك ﴾ والجمع بينهما أن قوله ﴿ هل أدلك ﴾ يكون سابقاً على قوله ﴿ ما نهاكما ﴾ لما رأى إصغاءه وميله إلى ما عرض عليه انتقل إلى الإخبار والحصر.
ومعنى ﴿ على شجرة الخلد ﴾ أي الشجرة التي مَن أكل منها خلد وحصل له ملك لا يخلق، وهذا يدل لقراءة الحسن بن عليّ وابن عباس إلا أن تكونا ملكين بكسر اللام ﴿ فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ﴾ تقدم الكلام على نحو هذه الآية في الأعراف ﴿ وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾ قال الزمخشري عن ابن عباس : لا شبهة في أن آدم صلوات الله عليه لم يمتثل ما رسم الله له وتخطى فيه ساحة الطاعة، وذلك هو العصيان.
ولما عصى خرج فعله من أن يكون رشداً وخيراً فكان غياً لا محالة لأن الغيَّ خلاف الرشد.