ولما كان السياق لوقوع النسيان وانحلال العزم بعد أكيد العهد، حرك العزم وبعث الهم بإيقاع العداوة التي تنشأ عنها المغالبة، فتبعث الهمم وتثير العزائم، فقال في جواب من كأنه قال : على أيّ حال يكون الهبوط :﴿بعضكم لبعض عدو﴾ وهو صادق بعداوة كل من الفريقين للفريق الآخر : فريق إبليس - الذين هم الجن - بالإضلال، وفريق الإنس بالاحتراز منهم بالتعاويذ والرقى وغير ذلك، وبعداوة بعض كل فريق لبعضه ﴿فإما﴾ أي فتسبب عن ذلك العلم بأنه لا قدرة لأحد منكم على التحرز من عدوه إلا بي ولا حرز لكم من قبلي إلا اتباع أمري، فإما ﴿يأتينكم﴾ أي أيها الجماعة الذين هم أضلّ ذوي الشهوات من المكلفين ﴿مني هدى﴾ تحترزون به عن استهواء العدو واستزلاله ﴿فمن اتبع﴾ عبر بصيغة " افتعل " التي فيها تكلف وتتميم للتبع الناشىء عن شدة الاهتمام ﴿هداي﴾ الذي أسعفته به من أوامر الكتاب والرسول المؤيد بدلالة العقل، وللتعبير بصيغة " افتعل " قال :﴿فلا يضل﴾ أي بسبب ذلك، عن طريق السداد في الدنيا ولا في الآخرة أصلاً ﴿ولا يشقى﴾ أي في شيء من سعيه في واحدة منهما، فإن الشقاء عقاب الضلال، ويلزم من نفيه نفي الخوف والحزن بخلاف العكس، فهو أبلغ مما في البقرة، فإن المدعو إليه في تلك مطلق العبادة، والمقام في هذه للخشية والبعث على الجد بالعداوة ﴿إلا تذكرة لمن يخشى﴾ وللإقبال على الذكر ﴿من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً﴾ والتحفظ من المخالفة ولو بالنسيان ﴿فنسي ولم نجد له عزماً ﴾.


الصفحة التالية
Icon