وثالثها : لا يضل ولا يشقى في الدنيا فإن قيل : المتبع لهدى الله قد يحلقه الشقاء في الدنيا، قلنا : المراد لا يضل في الدين ولا يشقى بسبب الدين فإن حصل الشقاء بسبب آخر فلا بأس، ولما وعد الله تعالى من يتبع الهدى أتبعه بالوعيد فيمن أعرض، فقال :﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي﴾ والذكر يقع على القرآن وعلى سائر كتب الله تعالى على ما تقدم بيانه ويحتمل أن يراد به الأدلة، وقوله :﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً﴾ فالضنك أصله الضيق والشدة وهو مصدر ثم يوصف به فيقال : منزل ضنك، وعيش ضنك، فكأنه قال : معيشة ذات ضنك، واعلم أن هذا الضيق المتوعد به إما أن يكون في الدنيا أو في القبر أو في الآخرة أو في الدين أو في كل ذلك أو أكثره.
أما الأول : فقال به جمع من المفسرين وذلك لأن المسلم لتوكله على الله يعيش في الدنيا عيشاً طيباً كما قال :
﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياة طَيّبَةً﴾ [ النحل : ٩٧ ] والكافر بالله يكون حريصاً على الدنيا طالباً للزيادة أبداً فعيشته ضنك وحالته مظلمة، وأيضاً فمن الكفرة من ضرب الله عليه الذلة والمسكنة لكفره قال تعالى :﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ الله ذلك بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بآيات الله﴾ [ البقرة : ٦١ ] وقال :﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِمْ مّن رَّبّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾ [ المائدة : ٦٦ ] وقال تعالى :﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى ءَامَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بركات مّنَ السماء والأرض﴾ [ الأعراف : ٩٦ ] وقال :﴿استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بأموال وَبَنِينَ﴾ [ نوح : ١٠ ١٢ ] وقال :﴿وَأَلَّوِ استقاموا عَلَى الطريقة لأسقيناهم مَّاء غَدَقاً﴾ [ الجن : ١٦ ].