ولما كانت هذه الآيات في ذم من أعرض عن هذا الذكر، كان تقدير : فلا تعرض عنه، بل أقبل عليه لتكون من المتقين الذاكرين، ولما كان هذا الحث العظيم ربما اقتضى للمسابق في التقوى المبالغة في المبادرة إليه فيستعجل بتلقفه قبل الفراغ من إيحائه، قال عاطفاً على هذا المقدر :﴿ولا تعجل بالقرآن﴾ أي بتلاوته.
ولما كان النهي عاماً لجميع الأوقات القبلية، دل عليه بالجار لئلا يظن أنه خاص بما يستغرق زمان القبل جملة واحدة فقال :﴿من قبل أن﴾ ولما كان النظر هنا إلى فراغ الإيحاء لا إلى موح معين، بنى للمجهول قوله :﴿يقضى﴾ أي ينهى ﴿إليك وحيه﴾ من الملك النازل إليك من حضرتنا به كما أنا لم نعجل بإنزاله عليك جملة، بل رتلناه لك ترتيلاً، ونزلناه إليك تنزيلاً مفصلاً تفصيلاً، وموصلاً توصيلاً - كما أشرنا إليه أول السورة، فاستمع له ملقياً جميع تأملك إليه ولا تساوقه بالقراءة، فإذا فرغ فاقرأه فإنا نجمعه في قلبك ولا نسقيك بإنسائه وأنت مصغ إليه، ولا بتكليفك للمساوقة بتلاوته ﴿وقل رب﴾ أي المحسن إليّ بإفاضة العلوم عليّ ﴿زدني علماً﴾ أي بتفهيم ما أنزلت إليّ منه وإنزال غيره كما زدتني بإنزاله وتحفيظه، لتتمكن من معرفة الأسباب المفيدة لتبع الخلق لك، فإنه كما تقدم على قدر إحاطة العلم يكون شمول القدرة، وفي هذا دليل على أن التأني في العلم بالتدبر وبإلقاء السمع أنفع من الاستعجال المتعب للبال المكدر للحال، وأعون على الحفظ، فمن وعى شيئاً حق الوعي حفظه غاية الحفظ ؛ وروى الترمذي وابن ماجة والبزار عن أبي هريرة ـ رضى الله عنهم ـ قال : كان رسول الله ـ ﷺ ـ يقول :
" اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علماً والحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من حال أهل النار " أفاده ابن كثير في تفسيره. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٤٨ ـ ٥٠﴾


الصفحة التالية
Icon