وثالثها : ذكر ابن جرير والقفال [ أن ] المعنى :﴿أَوَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِى الصحف الأولى﴾ من أنباء الأمم التي أهلكناهم لما سألوا الآيات وكفروا بها كيف عاجلناهم بالعقوبة فماذا يؤمنهم أن يكون حالهم في سؤال الآيات كحال أولئك، وإنما أتاهم هذا البيان في القرآن، فلهذا وصف القرآن بكونه :﴿بَيّنَةُ مَا فِى الصحف الأولى﴾ واعلم أنه إنما ذكر الضمير الراجع إلى البينة لأنها في معنى البرهان والدليل، ثم بين أنه تعالى أزاح لهم كل عذر وعلة في التكليف، فقال :﴿وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً﴾ والمراد كان لهم أن يقولوا ذلك فيكون عذراً لهم، فأما الآن وقد أرسلناك وبينا على لسانك لهم ما عليهم وما لهم فلا حجة لهم ألبتة بل الحجة عليهم.
ومعنى :﴿مِن قَبْلِهِ﴾ يحتمل من قبل إرساله ويحتمل من قبل ما أظهره من البينات فإن قيل فما معنى قوله :﴿وَلَوْ أَنَّا أهلكناهم...
لَقَالُواْ﴾ [ طه : ١٣٤ ] والهالك لا يصح أن يقول قلنا المعنى لكان لهم أن يقولوا ذلك يوم القيامة ولذلك قال :﴿مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ونخزى﴾ وذلك لا يليق إلا بعذاب الآخرة، روي أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال عليه السلام :" يحتج على الله تعالى يوم القيامة ثلاثة : الهالك في الفترة يقول لم يأتني رسول وإلا كنت أطوع خلقك لك.
" وتلا قوله :﴿لَوْلآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً﴾ والمغلوب على عقله يقول لم تجعل لي عقلاً أنتفع به، ويقول الصبي : كنت صغيراً لا أعقل فترفع لهم نار، ويقال لهم : ادخلوها فيدخلها من كان في علم الله تعالى أنه شقي ويبقى من في علمه أنه سعيد، فيقول الله تعالى لهم :"عصيتم اليوم فكيف برسلي لو أتوكم" والقاضي طعن في الخبر وقال : لا يحسن العقاب على من لا يعقل، واعلم أن في هذه الآية مسائل :
المسألة الأولى :