وذلك لسكون الناس وهدء حركاتهم وتعطيل الحواس عن الحركات وعن الأعمال، ولذلك قال سبحانه وتعالى :﴿إِنَّ نَاشِئَةَ الليل هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾ [ المزمل : ٦ ] وقال :﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الليل ساجدا وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخرة﴾ [ الزمر : ٩ ] ولأن الليل وقت السكون والراحة.
فإذا صرف إلى العبادة كانت على الأنفس أشق وللبدن أتعب فكانت أدخل في استحقاق الأجر والفضل.
المسألة الخامسة :
لقائل أن يقول : النهار له طرفان فكيف قال :﴿وَأَطْرَافَ النهار﴾ بل الأولى أن يقول كما قال :﴿وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار﴾ [ هود : ١١٤ ]، وجوابه من الناس من قال أقل الجمع اثنان فسقط السؤال، ومنهم من قال : إنما جمع لأنه يتكرر في كل نهار ويعود، أما قوله تعالى :﴿لَعَلَّكَ ترضى﴾ ففيه وجوه.
أحدها : أن هذا كما يقول الملك الكبير : يا فلان اشتغل بالخدمة فلعلك تنتفع به ويكون المراد إني أوصلك إلى درجة عالية في النعمة، وهو إشارة إلى قوله :﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى﴾ [ الضحى : ٥ ] وقوله :﴿عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُودًا﴾ [ الإسراء : ٧٩ ]، وثانيها : لعلك ترضى ما تنال من الثواب.
وثالثها : لعلك ترضى ما تنال من الشفاعة.
وقرأ الكسائي وعاصم :﴿لعلك ترضى﴾ بضم التاء والمعنى لا يختلف لأن الله تعالى إذا أرضاه فقد رضيه وإذا رضيه فقد أرضاه.
﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾
اعلم أنه تعالى لما صبر رسوله عليه السلام على ما يقولون، وأمره بأن يعدل إلى التسبيح أتبع ذلك بنهيه عن مد عينيه إلى ما متع به القوم فقال تعالى :﴿وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :