وكما أن العقيدة وثيقة الارتباط بنواميس الكون الكبرى، فكذلك ملابسات هذه العقيدة في الأرض. فالسنة التي لا تتخلف أن يغلب الحق في النهاية وأن يزهق الباطل، لأن الحق قاعدة كونية وغلبته سنة إلهية: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق).. وأن يحل الهلاك بالظالمين المكذبين، وينجي الله الرسل والمؤمنين:(ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين).. وأن يرث الأرض عباد الله الصالحون:(ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)..
ومن ثم يستعرض السياق أمة الرسل الواحدة في سلسلة طويلة استعراضا سريعا. يطول بعض الشيء عند عرض حلقة من قصة إبراهيم - عليه السلام - وعند الإشارة إلى داود وسليمان. ويقصر عند الإشارة إلى قصص نوح، وموسى، وهارون، ولوط، وإسماعيل، وإدريس، وذي الكفل، وذي النون، وزكريا، ويحيى، وعيسى عليهم السلام.
وفي هذا الاستعراض تتجلى المعاني التي سبقت في سياق السورة. تتجلى. في صورة وقائع في حياة الرسل والدعوات، بعدما تجلت في صورة قواعد عامة ونواميس.
كذلك يتضمن سياق السورة بعض مشاهد القيامة ; وتتمثل فيها تلك المعاني نفسها في صورة واقع يوم القيامة..
وهكذا تتجمع الإيقاعات المنوعة في السورة على هدف واحد، هو استجاشة القلب البشري لإدراك الحق الأصيل في العقيدة التي جاء بها خاتم الرسل ( ﷺ ) فلا يتلقاها الناس غافلين معرضين لاهين كما يصفهم في مطلع السورة: (اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون. ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون. لاهية قلوبهم...).
إن هذه الرسالة حق وجد. كما أن هذا الكون حق وجد. فلا مجال للهو في استقبال الرسالة ; ولا مجاللطلب الآيات الخارقة ; وآيات الله في الكون وسنن الكون كله. توحي بأنه الخالق القادر الواحد، والرسالة من لدن ذلك الخالق القادر الواحد.


الصفحة التالية
Icon