قال تعالى "فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا" عذابنا وشاهدوه بحاسة بصرهم بعد أن أنذرناهم وحذرناهم "إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ" ١٢، هربا من القرية كي لا يصل إليهم العذاب الذي رأوه أظلهم فقيل لهم "لا تَرْكُضُوا" يا قوم فليس بنافع جري إذا جاء القضاء بالعذاب وقد مر في الآية ١٣ من سورة ص في ج ١ أن الركض ضرب الأرض بالرجل أي بعقبها وجاء هنا بمعنى الجري على اللغة الدارجة لأن القرآن العظيم جاء فيه من كافة اللغات مما هو أحسنها "وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ" من التنعم بالعيش والترف في اللباس والترفه في السكنى "وَمَساكِنِكُمْ" التي زخرفتموها في الدنيا أي تقول لهم الملائكة ذلك على طريق الاستهزاء والسخرية بهم "لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ" ١٣ من قبل الغير عما جرى بكم من العذاب وعن السبب الذي أوقعكم فيه فتجزون به، قيل نزلت هذه في أهل (حصوه) قرية باليمن كان أهلها عربا حينما قتلوا نبيهم بعد أن كذبوه فسلط اللّه عليهم بختنصر فقتلهم وسباهم فصاروا يهربون منهم فأدركوهم وقد أخذتهم السيوف ونادى مناد من جو السماء بالثارات الأنبياء، ولما لم يروا بدا اعترفوا و"قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ" ١٤ بتكذيب الرسل وقتلهم ولكن لم ينفعهم الندم بعد نزول العذاب "فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ" أي قولهم يا ويلنا وهم يقتلون ويذبحون متوالية "حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً" كالزرع المحصود