فصل
قال الفخر :
﴿ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (١) ﴾
اعلم أن قوله تعالى :﴿اقترب لِلنَّاسِ حسابهم﴾ فيه مسائل :
المسألة الأولى :
القرب لا يعقل إلا في المكان والزمان، والقرب المكاني ههنا ممتنع فتعين القرب الزماني، والمعنى اقترب للناس وقت حسابهم.
المسألة الثانية :
لقائل أن يقول كيف وصف بالاقتراب، وقد عبر بعد هذا القول قريب من ستمائة عام والجواب من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مقترب عند الله تعالى والدليل عليه قوله تعالى :﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [ الحج : ٤٧ ].
وثانيها : أن كل آت قريب وإن طالت أوقات ترقبه، وإنما البعيد هو الذي انقرض قال الشاعر :
فلا زال ما تهواه أقرب من غد.. ولا زال ما تخشاه أبعد من أمس
وثالثها : أن المعاملة إذا كانت مؤجلة إلى سنة ثم انقضى منها شهر، فإنه لا يقال اقترب الأجل أما إذا كان الماضي أكثر من الباقي فإنه يقال : اقترب الأجل، فعلى هذا الوجه قال العلماء : إن فيه دلالة على قرب القيامة، ولهذا الوجه قال عليه السلام :" بعثت أنا والساعة كهاتين " وهذا الوجه قيل إنه عليه السلام ختم به النبوة، كل ذلك لأجل أن الباقي من مدة التكليف أقل من الماضي.
المسألة الثالثة :
إنما ذكر تعالى هذا الاقتراب لما فيه من المصلحة للمكلفين فيكون أقرب إلى تلافي الذنوب والتحرر عنها خوفاً من ذلك، والله أعلم.
المسألة الرابعة :
إنما لم يعين الوقت لأجل أن كتمانه أصلح، كما أن كتمان وقت الموت أصلح.
المسألة الخامسة :
الفائدة في تسمية يوم القيامة بيوم الحساب أن الحساب هو الكاشف عن حال المرء فالخوف من ذكره أعظم.
المسألة السادسة :
يجب أن يكون المراد بالناس من له مدخل في الحساب وهم المكلفون دون من لا مدخل له، ثم قال ابن عباس : المراد بالناس المشركون.