وقال أبو السعود :
﴿ اقترب لِلنَّاسِ حسابهم ﴾
مناسبةُ هذه الفاتحةِ الكريمة لما قبلها من الخاتمة الشريفة غنيةٌ عن البيان. قال ابن عباس رضي الله عنهما : المرادُ بالناس المشركون وهو الذي يُفصح عنه ما بعده، والمرادُ باقتراب حسابِهم اقترابُه في ضمن اقترابِ الساعةِ، وإسنادُ الاقترابِ إليه لا إلى الساعة مع استتباعها له ولسائر ما فيها من الأحوال والأهوالِ الفظيعة لانسياق الكلامِ إلى بيان غفلتِهم عنه وإعراضِهم عما يذكّرهم ذلك، واللامُ متعلقةٌ بالفعل، وتقديمُها على الفاعل للمسارعة إلى إدخال الروعةِ فإن نسبةَ الاقتراب إليهم من أول الأمر مما يسوؤهم ويُورثهم رَهبةً وانزعاجاً من المقترِب، كما أن تقديمَ الجارِّ والمجرور على المفعول الصريحِ في قوله تعالى :﴿ هُوَ الذى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الأرض ﴾ لتعجيل المسرّة لما أن بيان كونِ الخلق لأجل المخاطَبين مما يسرّهم ويزيدهم رغبةً فيما خُلق لهم وشوقاً إليه، وجعلها تأكيداً للإضافة على أن الأصلَ المتعارفَ فيما بين الأوساط اقترب حسابُ الناس ثم اقترب للناس الحسابُ ثم اقترب للناس حسابُهم مع أنه تعسفٌ تامٌّ بمعزل عا يقتضيه المقامُ وإنما الذي يستدعيه حسنُ النظام ما قدمناه والمعنى دنا منهم حسابُ أعمالِهم السيئةِ الموجبة للعقاب، وفي إسناد الاقترابِ المنبىءِ عن التوجه نحوَهم إلى الحساب مع إمكان العكس بأن يُعتبرَ التوجّهُ والإقبالُ من جهتهم نحوه من تفخيم شأنِه وتهويلِ أمره ما لا يخفى لما فيه من تصويره بصورة شيءٍ مقبلٍ عليهم لا يزال يطلُبهم ويصيبهم لا محالة، ومعنى اقترابِه لهم تقارُبُه ودُنوُّه منهم بعدَ بُعدِه عنهم فإنه في كل ساعة من ساعات الزمان أقربُ إليهم منه في الساعة السابقة.