تعديته بها حملاً على ضده المتعدي بها وهو فعل البعد كما أن فعل البيع يعدي بمن حملا له على فعل الشراء المتعدي بها على ما ذكره نجم الأئمة الرضي في بحث الحروف الجارة ؛ والمشهور أن ﴿ اقترب ﴾ بمعنى قرب كارتقب بمعنى رقب، وحكى في "البحر" أنه أبلغ منه لزيادة مبناه والمراد من اقتراب الحساب اقتراب زمانه وهو الساعة، ووجه إيثار بيان اقترابه مع أن الكلام مع المشركين المنكرين لأصل بعث الأموات ونفس إحياء العظام الرفات فكان ظاهر ما يقتضيه المقام أي يؤتى بما يفيد أصل الوقوع بدل الاقتراب وأن يسند ذلك إلى نفس الساعة لا إلى الحساب للإشارة إلى أن وقوع القيام وحصول بعث الأجساد والأجسام أمر ظاهر بلا تمويه وشيء واضح لا ريب فيه وأنه وصل في الظهور والجلاء إلى حيث لا يكاد يخفى على العقلاء وأن الذي يرخي في بيانه أعنة المقال بعض ما يستتبعه من الأحوال والأهوال كالحساب الموجب للاضطراب بل نفس وقوع الحساب أيضاً غني عن البيان لا ينبغي أن ترتاب فيه العقول والأذهان وأن الذي قصد بيانه ههنا أنه دنا أوانه واقترب زمانه فيكون الكلام مفصحاً عن تحقق القيام الذي هو مقتضى المقام على وجه وجيه أكيد ونهج بديع سديد لا يخفى لطفه على من ألقى السمع وهو شهيد.
وجوز أن يكون الكلام مع المشركين السائلين عن زمان الساعة المستعجلين لها استهزاء كما في قوله تعالى :﴿ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ متى هُوَ قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا ﴾ [ الإسراء : ٥١ ] فحينئذٍ يكون الإخبار عن الاقتراب على مقتضى الظاهر، وإيثار بيان اقتراب الحساب على بيان اقتراب سائر وقوع مستتبعات البعث كفنون العذاب وشجون العقاب للإشعار بأن مجرد اقتراب الحساب الذي هو من مبادىء العذاب ومقدماته كاف في التحذير عما هم عليه من الإنكار وواف بالردع عما هم عليه من العلو والاستكبار فكيف الحال في نفس العذاب والنكال.


الصفحة التالية
Icon