وقال بعض الأفاضل : ليس المراد من كون القرب عند الله تعالى نسبته إليه سبحانه بأن يجعل هو عز وجل مدنواً منه ومقرباً إليه تعالى عن ذلك علواً كبيراً بل المراد قرب الحساب للناس عند الله تعالى، وحاصله أنه تعالى شأنه لبلوغ تأنيه إلى حد الكمال يستقصر المدد الطوال فيكون الحساب قريباً من الناس عند جنابه المتعال وإن كان بينه وبينهم أعوام وأحوال، وعلى هذا يحمل قوله تعالى :﴿ يَرَوْنَهُ بَعِيداً يَكُونَ قَرِيبًا ﴾ [ المعارج : ٦، ٧ ] وهذا المعنى يفيد وراء إفادته تحقق الثبوت لا محالة أن المدة الباقية بينهم وبين الحساب شيء قليل في الحقيقة وما عليه الناس من استطالته واستكثاره فمن التسويلات الشيطانية وأن اللائق بأصحاب البصيرة أن يعدوا تلك المدة قصيرة فيشمروا الذيل ليوم يكشف فيه عن ساق ويكون إلى الله تعالى شأنه المساق، وقول شيخ الإسلام في الاعتراض على ما قيل أنه لا سبيل إلى اعتباره ههنا لأن قربه بالنسبة إليه تعالى مما لا يتصور فيه التجدد والتفاوت حتماً وإنما اعتباره في قوله تعالى :
﴿ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ ﴾ [ الشورى : ١٧ ] ونظائره مما لا دلالة فيه على الحدوث مبني على حمل القرب عنده تعالى على القرب إليه تعالى بمعنى حضور ذلك في علمه الأزلي فإنه الذي لا يجري فيه التفاوت حتماً وأما قرب الأشياء بعضها إلى بعض زماناً أو مكاناً فلا ريب أنه يتجدد تعلقات علمه سبحانه بذلك فيعلمه على ما هو عليه مع كون صفة العلم نفسها قديمة على ما تقرر في موضعه اه.
واختار بعضهم أن المراد بالعندية ما سمعته أولاً وهو معنى شائع في الاستعمال وجعل التجدد باعتبار التعلق كما قيل بذلك في قوله تعالى :﴿ وكذلك بعثناهم لَنَعْلَمُ ﴾ [ الكهف : ١٢ ] الآية، وقيل المراد من اقترابه تحقق وقوعه لا محالة فإن كل آت قريب والبعيد ما وقع ومضى ولذا قيل
: فلا زال ما تهواه أقرب من غد...
ولا زال ما تخشاه أبعد من أمس