قال الزمخشري : بعد أن وصفهم بالغفلة مع الإعراض، قرر إعراضهم عن تنبيه المنبه وإيقاظ الموقظ، فأن الله يجدد لهم الذكر وقتاً فوقتاً. ويحدث لهم الآية بعد الآية، والسورة بعد السورة، ليكرر على أسماعهم التنبيه والموعظة، لعلهم يتعظون. فما يزيدهم استماع الآي والسور وما فيها من فنون المواعظ والبصائر، التي هي أحق الحق وأجد الجد، إلا لعباً وتلهياً واستسخاراً. والذكر هو الطائفة النازلة من القرآن. انتهى.
تنبيه :
استدل بهذه الآية من ذهب إلى حدوث كلامه تعالى المسموع. وهم المعتزلة والكرامية والأشعرية. فأما المعتزلة فقالوا إنما كان القرآن حادثاً لكونه مؤلفاً من أصوات وحروف. فهو قائم بغيره وقالوا : معنى كونه متكلماً، أنه موجد لتلك الحروف والأصوات في الجسم. كاللوح المحفوظ أو كجبريل أو النبيّ عليه الصلاة السلام، أو غيرهم كشجرة موسى.
وأما الكرامية، فلما رأوا ما التزمه المعتزلة مخالفاً للعرف واللغة، ذهبوا إلى أن كلامه صفة له مؤلفة من الحروف والأصوات الحادثة القائمة بذاته تعالى. فذهبوا إلى حدوث الدالّ والمدلول. وجوزوا كونه تعالى محلاً للحوادث.
والأشعرية قالوا : إن الكلام المتلوّ دال على الصفة القديمة النفسية، التي هي الكلام عندهم حقيقة.
قالوا : فما نزل على الأنبياء من الحروف والأصوات، وسمعوها وبلّغوها إلى أممهم، هو محدث موصوف بالتغير والتكثر والنزول. لا مدلولها التي هي تلك الصفة القديمة. والمسألة شهيرٌ ما للعلماء فيها. والقصد أن الآية المذكورة رآها من ذكر، حجة فيما ذهب إليها.


الصفحة التالية
Icon