وستعلمون لمن تكون له العاقبة، وقد أشار إلى هذا في هؤلاء الأنبياء عليهم السلام الذين دل بقصصهم في هذه السورة على ما تقدمها من الأحكام والقضايا ﴿وكنا به عالمين﴾ [ الأنبياء : ٥١ ] ﴿إذ قال لأبيه وقومه وكنا لحكمهم شاهدين﴾ و﴿كنا بكل شيء عالمين﴾ [ الأنبياء : ٨٨ ] ﴿وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون﴾ [ الأنبياء : ١٠٩ ] ﴿إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون﴾ [ الأنبياء : ١١٠ ] ﴿إن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾ [ الأنبياء : ١٠٥ ] ﴿ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم﴾ [ النور : ٥٥ ].
ولما كانت أقوالهم في أمر القرآن قد اضطربت، والإضطراب من أمارات الباطل، وكان وصفهم له بأنه سحر مما يهول السامع ويعلم منه أنه معجز، فربما أدى إلى الاستبصار في أمره، أخبر أنهم نزلوا به عن رتبة السحر على سبيل الاضطراب فقال :﴿بل قالوا﴾ أي عن هذا الذكر الحكيم أنه ﴿أضغاث أحلام﴾ أي تخاليط نائم مبناه الباطل وإن كان ربما صدق بالأخبار ببعض المغيبات التي كشف الزمان عن أنها كما أخبر القرآن، ثم أنزلوا عن ذلك إلى الوصف موجب لأعظم النفرة عنه وعمن ظهر عنه فقالوا :﴿بل افتراه﴾ أي تعمد وصفه من عند نفسه ونسبه إلى الله.
ولما كان ذلك لا ينافي كون مضمونه صادقاً في نفسه، قالوا ﴿بل هو شاعر﴾ أي يخيل ما لا حقيقة له كغيره من الشعراء، تتربص به ريب المنون لأنه بشر كما تقدم، فلا بد أن يموت ونستريح بعد موته، وإليه أشار في آخر التي قبلها ﴿قل كل متربص﴾ [ طه : ١٣٥ ] إلى أخره، فاضطربت أقوالهم وعوّلوا أخيراً على قريب من السحر في نفي الحقيقة.