وقوله تعالى :﴿ لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام ﴾ صفة ﴿ جَسَداً ﴾ أي وما جعلناهم جسدا مستغنياً عن الغذاء بل محتاجاً إليه ﴿ وَمَا كَانُواْ خالدين ﴾ أي باقين ابدا، وجوز أن يكون الخلود بمعنى المكث المديد، واختير الأول لأن الجملة مقررة لما قبلها من كون الرسل السالفة عليهم الصلاة والسلام بشراً لا ملائكة كما يقتضيه اعتقاد المشركين الفاسد وزعمهم الكاسد، والظاهر هم يعتقدون أيضاً في الملائكة عليهم السلام الأبدية كاعتقاد الفلاسفة فيهم ذلك إلا أنهم يسمونهم عقولاً مجردة، وحاصل المعنى جعلناهم أجساداً متغذية صائرة إلى الموت بالآخرة حسب آجالهم ولم نجعلهم ملائكة لا يتغذون ولا يموتون حسبما تزعمون، وقيل : الجملة رد على قولهم ﴿ مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطعام ﴾ [ الفرقان : ٧ ] الخ والأول أولى، نعم هي مع كونها مقررة لما قبلها فيها رد على ذلك، وفي إيثار ﴿ وَمَا كَانُواْ ﴾ على وما جعلناهم تنبيه على أن عدم الخلود والبقاء من توابع جبلتهم في هذه النشأة التي أشير إليها بقوله تعلى :﴿ وَمَا جعلناهم جَسَداً ﴾ الخ لا بالجعل المستأنف بل إذا نظرت إلى سائر المركبات من العناصر المتضادة رأيت بقاءها سويعة أمراً غريباً وانتهضت إلى طلب العلة لذلك ومن هنا قيل
: ولا تتبع الماضي سؤالك لم مضى...
وعرج على الباقي وسائله لم بقي


الصفحة التالية
Icon