ثم لما فرغ سبحانه من الجواب عن شبهتهم أكد كون الرسل من جنس البشر فقال :﴿ وَمَا جعلناهم جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام ﴾ أي أن الرسل أسوة لسائر أفراد بني آدم في حكم الطبيعة يأكلون كما يأكلون ويشربون كما يشربون، والجسد جسم الإنسان.
قال الزجاج : هو واحد، يعني الجسد ينبىء عن جماعة، أي وما جعلناهم ذوي أجساد لا يأكلون الطعام فجملة :﴿ لا يأكلون الطعام ﴾ صفة ل ﴿ جسداً ﴾ أي وما جعلناهم جسداً مستغنياً عن الأكل، بل هو محتاج إلى ذلك ﴿ وَمَا كَانُواْ خالدين ﴾ بل يموتون كما يموت غيرهم من البشر، وقد كانوا يعتقدون أن الرسل لا يموتون، فأجاب الله عليهم بهذا.
وجملة :﴿ ثُمَّ صدقناهم الوعد ﴾ معطوفة على جملة يدلّ عليها السياق، والتقدير : أوحينا إليهم ما أوحينا.
﴿ ثم صدقناهم الوعد ﴾ أي أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم وإهلاك من كذبهم، ولهذا قال سبحانه :﴿ فأنجيناهم وَمَن نَّشَاء ﴾ من عبادنا المؤمنين، والمراد : إنجاؤهم من العذاب وإهلاك من كفر بالعذاب الدنيوي، والمراد ب ﴿ المسرفين ﴾ : المجاوزون للحدّ في الكفر والمعاصي، وهم المشركون.
وقد أخرج النسائي عن أبي سعيد عن النبيّ ﷺ في قوله :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ قال :" في الدنيا " وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ في الآية قال :" من أمر الدنيا " وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله :﴿ بَلْ قَالُواْ أضغاث أَحْلاَمٍ ﴾ أي فعل الأحلام إنما هي رؤيا رآها ﴿ بَلِ افتراه بَلْ هُوَ شَاعِرٌ ﴾ كل هذا قد كان منه ﴿ فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ﴾ كما جاء عيسى وموسى بالبينات والرسل ﴿ مَا ءَامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ أي أن الرسل كانوا إذا جاؤوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم ينظروا.