بين جل وعلا في هذه الآيات : أنه أرسل الرسل إلى الأمم فكذبوهم، وأنه وعد الرسل بأن لهم النصر والعاقبة الحسنة، وأنه صدق رسله ذلك الوعد فأنجاهم. وأنجى معهم ما شاء أن ينجيه.. والمراد به من آمن بهم من أممهم، وأهلك المسرفين وهم الكفار المكذبون للرسل، وقد أوضح هذا المعنى في مواضع كثيرة من كتابه، كقوله تعالى ﴿ حتى إِذَا استيأس الرسل وظنوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القوم المجرمين ﴾ [ يوسف : ١١٠ ]، وقوله :﴿ فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتقام ﴾ [ إبراهيم : ٤٧ ]، وقوله تعالى :﴿ فأوحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظالمين وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض مِن بَعْدِهِمْ ﴾ [ إبراهيم : ١٣-١٤ ]، وقوله :﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون ﴾ [ الصافات : ١٧١-١٧٣ ]، وقوله تعالى :﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً والذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾ [ هود : ٥٨ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً والذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾ [ هود : ٦٦ ] الآية، وقوله ﴿ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً والذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾ [ هود : ٩٤ ] الآية، إلى غير ذلك من الآيات. والظاهر أن " صدق " تتعدى بنفسها وبالحروف، تقول : صدقته الوعد، وصدقته في الوعد. كقوله هنا :﴿ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الوعد ﴾، وقوله :﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ ﴾ [ آل عمران : ١٥٢ ]. فقول الزمخشري " صدقناهم الوعد " كقوله :" واختار موسى قومه سبعين رجلاً " لا حاجةة إليه، والله أعلم. والإسراف : مجاوزة الحد في المعاصي كالكفر، ولذلك يكثر في
القرآن إطلاق المسرفين على الكفار. أ هـ ﴿أضواء البيان حـ ٤ صـ ﴾