" فوائد لغوية وإعرابية "
قال السمين :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ ﴾
قوله :﴿ نوحي إِلَيْهِمْ ﴾ : قرأ حفصٌ " نُوْحي " بنون العظمة مبنياً للفاعلِ أي : نوحي نحن. والباقون بالياء وفتحِ الحاء مبنياً للمفعولِ، وقد تقدَّم ذلك في يوسف. وهذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ نعتاً ل " رِجالاً " و" إليهم " في القراءةِ الأُوْلى منصوبُ المحلِّ. والمفعولُ محذوفٌ أي : نُوحي إليهم القرآنَ أو الذِّكْرَ، ومرفوعُ المحلِّ في القراءةِ الثانيةِ لقيامِه مَقامَ الفاعلِ.
قوله :﴿ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ جوابُ الشرطِ محذوفٌ لدلالةِ ما تقدَّم عليه أي : فاسْأَلوهم، حُذِفَ لدلالةِ ما تقدَّم عليه. ومفعولا العِلْمِ يجوز أَنْ يُرادا أي : لا تَعْلمون أنَّ ذلك كذلك، ويجوزُ أن لا يُرادا أي : إنْ كنتم مِنْ غيرِ ذوي العلمِ.
وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (٨)
قوله :﴿ لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام ﴾ : في هذه الجملةِ وجهان، أظهرُهما : أنَّها في محلِّ نصب نعتاً ل " جَسَداً "، و" جَسَداً " مفردٌ يُراد به الجمعُ، وهو على حذفِ مضافٍ أي : ذوي أجسادٍ غيرِ آكلينَ الطعامَ. وهذا رَدٌّ لقولِهم :﴿ مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام ﴾ [ الفرقان : ٧ ]. و" جعل " يجوز أن يكونَ بمعنى صَيَّر فيتعدى لاثنين، ثانيهما " جسداً "، ويجوزُ أَنْ يكونَ بمعنى خلق وأنشأ فيتعدى لواحدٍ، فيكون " جسداً " حالاً بتأويلِه بمشتقٍ أي : مُتَغَذِّيْنَ ؛ لأنَّ الجسدَ لا بُدَّ له من الغذاءِ.
وقال أبو البقاء :" إنَّ " لا يأكلون " حالٌ أخرى بعد " جَسَداً " إذا قلنا إنَّ " جعل " يتعدى لواحدٍ ". وفيه نَظَرٌ، بل هي صفةٌ ل " جَسَداً " بالاعتبارين، لا يليق المعنى إلاَّ به.


الصفحة التالية
Icon