فصل
قال الفخر :
أما قوله :﴿قَالَ رَبّي يَعْلَمُ القول فِي السماء والأرض وَهُوَ السميع العليم﴾
ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرىء ﴿قَالَ رَبّي﴾ حكاية لقول رسول الله ﷺ وهي قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وقرأ الباقون قل بضم القاف وحذف الألف وسكون اللام.
المسألة الثانية : أنه تعالى لما أورد هذا الكلام عقيب ما حكى عنهم وجب أن يكون كالجواب لما قالوه فكأنه قال إنكم وإن أخفيتم قولكم، وطعنكم فإن ربي عالم بذلك وإنه من وراء عقوبته، فتوعدوا بذلك لكي لا يعودوا إلى مثله.
المسألة الثالثة : قال صاحب " الكشاف " : فإن قلت فهلا قيل له يعلم السر لقوله :﴿وَأَسَرُّواْ النجوى﴾ [ الأنبياء : ٣ ] قلت القول علام يشمل السر والجهر فكأن في العلم به العلم بالسر وزيادة فكأن آكد في بيان الإطلاع على نجواهم من أن يقول :﴿يَعْلَمُ السر﴾ كما أن قوله تعالى :﴿يَعْلَمُ السر﴾ آكد من أن يقول يعلم سرهم فإن قلت فلم ترك الآكد في سورة الفرقان في قوله :﴿قُلْ أَنزَلَهُ الذى يَعْلَمُ السر فِي السموات والأرض﴾ [ الفرقان : ٦ ] قلت : ليس بواجب أن يجيء بالآكد في قوله في كل موضع، ولكن يجيء بالتوكيد مرة وبالآكد مرة أخرى، ثم الفرق أنه قدم ههنا أنهم أسروا النجوى، فكأنه أراد أن يقول : إن ربي يعلم ما أسروه، فوضع القول موضع ذلك للمبالغة وثمة قصد وصف ذاته بأن قال :﴿أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر فِى السموات والأرض﴾ فهو كقوله :﴿علام الغيوب﴾ [ سبأ : ٤٨ ]، ﴿عالم الغيب لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾ [ سبأ : ٣ ].