ولما دل على نفي مطلق الشريك عقلاً ونقلاً، فانتفى بذلك كل فرد يطلق عليه هذا الاسم، عجب من ادعائهم الشركة المقيدة بالولد، فقال عاطفاً على قوله ﴿وأسروا النجوى﴾ [ طه : ٦٢ ] :﴿وقالوا﴾ قيل : الضمير لخزاعة حيث قالوا : الملائكة بنات الله، وقيل : لليهود حيث قالوا : إنه سبحانه صاهر الجن فكانت منهم الملائكة :﴿اتخذ﴾ أي تكلف كما يتكلف من يكون له ولد ﴿الرحمن﴾ أي الذي كل موجود من فيض نعمته ﴿ولداً ﴾.
ولما كان ذلك أعظم الذنب، نزه نفسه سبحانه عنه بمجمع التنزيه فقال :﴿سبحانه﴾ أي تنزه عن أن يكون له ولد، فإن ذلك يقتضي المجانسة بينه وبين الولد، ولا يصح مجانسة النعمة للمنعم الحقيقي ﴿بل﴾ الذي جعلوهم له ولداً وهم الملائكة ﴿عباد﴾ من عباده، أنعم الله عليهم بالإيجاد كما أنعم على غيرهم لا أولاد، فإن العبودية تنافي الولدية ﴿مكرمون﴾ بالعصمة من الزلل، ولذلك فسر الإكرام بقوله :﴿لا يسبقونه﴾ أي لا يسبقون إذنه ﴿بالقول﴾ أي بقولهم، لأنهم لا يقولون شيئاً لم يأذن لهم فيه ويطلقه لهم.
ولما كان الواقف عما لم يؤذن له فيه قد لا يفعل ما أمر به قال :﴿وهم بأمره﴾ أي خاصة إذا أمرهم ﴿يعملون﴾ لا بغيره لأنهم في غاية المراقبة له فجمعوا في الطاعة بين القول والفعل وذلك غاية الطاعة ؛ ثم علل إخباره بذلك بعلمه بما هذا المخبر به مندرج فيه فقال :﴿يعلم ما بين أيديهم﴾ أي مما لم يعملوه ﴿وما خلقهم﴾ مما عملوه، أو يكون الأول لما عملوه والثاني لما لم يعلموه، لأنك تطلع على ما قدامك ويخفى عليك ما خلفك، أي أن علمه محيط بأحوالهم ماضياً وحالاً ومآلاً، لا يخفى عليه خافية ؛ ثم صرح بلازم الجملة الأولى فقال :﴿ولا يشفعون﴾ أي في الدنيا ولا في الآخرة ﴿إلا لمن ارتضى﴾ فلا تطمعوا في شفاعتهم لكم بغير رضاه، وبلازم الجملة الثانية فقال :﴿وهم من خشيته﴾ أي لا من غيرها ﴿مشفقون﴾ أي دائماً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٧٧ ـ ٧٨﴾


الصفحة التالية
Icon