ثم إنه سبحانه ذكر ما يجري مجرى السبب لهذه الطاعة فقال :﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ والمعنى أنهم لما علموا كونه سبحانه عالماً بجميع المعلومات علموا كونه عالماً بظواهرهم هم وبواطنهم، فكان ذلك داعياً لهم إلى نهاية الخضوع وكمال العبودية.
وذكر المفسرون فيه وجوهاً.
أحدها : قال ابن عباس : يعلم ما قدموا وما أخروا من أعمالهم.
وثانيها : ما بين أيديهم الآخرة وما خلفهم الدنيا وقيل على عكس ذلك.
وثالثها : قال مقاتل : يعلم ما كان قبل أن يخلقهم وما يكون بعد خلقهم.
وحقيقة المعنى أنهم يتقلبون تحت قدرته في ملكوته وهو محيط بهم، وإذا كانت هذه حالتهم فكيف يستحقون العبادة وكيف يتقدمون بين يدي الله تعالى فيشفعون لمن لم يأذن الله تعالى له.
ثم كشف عن هذا المعنى فقال :﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى﴾ أي لمن هو عند الله مرضي :﴿وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ أي من خشيتهم منه، فأضيف المصدر إلى المفعول ومشفقون خائفون ولا يأمنون مكره وعن رسول الله ﷺ :" أنه رأى جبريل عليه السلام ليلة المعراج ساقطاً كالحلس من خشية الله تعالى " ونظيره قوله تعالى :﴿لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن﴾ [ النبأ : ٣٨ ].
أما قوله تعالى :﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنّى إله مّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ فالمعنى أن كل من يقول من الملائكة ذلك القول فإنا نجازي ذلك القائل بهذا الجزاء، وهذا لا يدل على أنهم قالوا ذلك أو ما قالوه وهو قريب من قوله تعالى :﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ وههنا مسائل :
المسألة الأولى :
هذه الصفات تدل على العبودية وتنافي الولادة لوجوه.
أحدها : أنهم لما بالغوا في الطاعة إلى حيث لا يقولون قولاً ولا يعملون عملاً إلا بأمره فهذه صفات للعبيد لا صفات الأولاد.


الصفحة التالية
Icon