أما قوله تعالى :﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ﴾ فاعلم أنه مشتمل على بحثين : أحدهما : أن الله تعالى لا يسأل عن شيء من أفعاله ولا يقال له لم فعلت.
والثاني : أن الخلائق مسؤولون عن أفعالهم، أما البحث الأول ففيه مسألتان :
المسألة الأولى :
وجه تعلق هذه الآية بما قبلها أن عمدة من أثبت لله شريكاً ليست إلا طلب اللمية في أفعال الله تعالى، وذلك لأن الثنوية والمجوس وهم الذين أثبتوا الشريك لله تعالى قالوا : رأينا في العالم خيراً وشراً ولذة وألماً وحياة وموتاً وصحة وسقماً وغنى وفقراً، وفاعل الخير خير وفاعل الشر شرير، ويستحيل أن يكون الفاعل الواحد خيراً وشريراً معاً، فلا بد من فاعلين ليكون أحدهما فاعلاً للخير والآخر فاعلاً للشر.
ويرجع حاصل هذه الشبهة إلى أن مدبر العالم لو كان واحداً لما خص هذا بالحياة والصحة والغنى، وخص ذلك بالموت والألم والفقر.
فيرجع حاصله إلى طلب اللمية في أفعال الله تعالى.
فلما كان مدار أمر القائلين بالشريك على طلب اللمية لا جرم أنه سبحانه وتعالى بعد أن ذكر الدليل على التوحيد ذكر ما هو النكتة الأصلية في الجواب عن شبهة القائلين بالشريك، لأن الترتيب الجيد في المناظرة أن يقع الإبتداء بذكر الدليل المثبت للمطلوب.
ثم يذكر بعده ما هو الجواب عن شبهة الخصم.
المسألة الثانية :
في الدلالة على أنه سبحانه :﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾ أما أهل السنة فإنهم استدلوا عليه بوجوه : أحدها : أنه لو كان كل شيء معللاً بعلة لكانت علية تلك العلة معللة بعلة أخرى ويلزم التسلسل فلا بد في قطع التسلسل من الإنتهاء إلى ما يكون غنياً عن العلة وأولى الأشياء بذلك ذات الله تعالى وصفاته، وكما أن ذاته منزهة عن الإفتقار إلى المؤثر والعلة، وصفاته مبرأة عن الافتقار إلى المبدع والمخصص فكذا فاعليته يجب أن تكون مقدسة عن الإستناد إلى الموجب والمؤثر.