وسابعها : وهو أن الموجود إما هو سبحانه أو ملكه وملكه ومن تصرف في ملك نفسه لا يقال له لم فعلت ذلك.
وثامنها : وهو أن من قال لغيره لم فعلت ذلك ؟ فهذا السؤال إنما يحسن حيث يحتمل أن يقدر السائل على منع المسؤول منه عن فعله وذلك من العبد في حق الله تعالى محال، فإنه لو فعل أي فعل شاء فالعبد كيف يمنعه عن ذلك ؟ إما بأن يهدده بالعقاب والإيلام وذلك على الله تعالى محال، أو بأن يهدده باستحقاق الذم والخروج عن الحكمة والإنصاف بالسفاهة على ما يقوله المعتزلة وذلك أيضاً محال، لأن استحقاقه للمدح واتصافه بصفات الحكمة والجلال أمور ذاتية له، وما ثبت للشيء لذاته يستحيل أن يتبدل لأجل تبدل الصفات العرضية الخارجية، فثبت بهذه الوجوه أنه لا يجوز أن يقال لله في أفعاله لم فعلت هذا الفعل ؟ فإن كل شيء صنعه ولا علة لصنعه، وأما المعتزلة فإنهم سلموا أنه لا يجوز أن يقال لله لم فعلت هذا الفعل ولكنهم بنوا ذلك على أصل آخر، وهو أنه تعالى عالم بقبح القبائح، وعالم بكونه غنياً عنها، ومن كان كذلك فإنه يستحيل أن يفعل القبيح، وإذا عرفنا ذلك عرفنا إجمالاً أن كل ما يفعله الله تعالى فهو حكمة وصواب، وإذا كان كذلك لم يجز للعبد أن يقول لله لم فعلت هذا.
أما البحث الثاني : وهو قوله تعالى :﴿وَهُمْ يُسْئَلُونَ﴾ فهذا يدل على كون المكلفين مسؤولين عن أفعالهم وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
أن الكلام في هذا السؤال إما في الإمكان العقلي أو في الوقوع السمعي، أما الإمكان العقلي فالخلاف فيه مع منكري التكاليف، واحتجوا على قولهم بوجوه.
أحدها : قالوا : التكليف إما أن يتوجه على العبد حال استواء داعيته إلى الفعل والترك، أو حال رجحان أحدهما على الآخر.
والأول محال لأن حال الاستواء يمتنع الترجيح وحال امتناع الترجيح يكون التكليف بالترجيح تكليفاً بالمحال، والثاني محال لأن حال الرجحان يكون الراجح واجب الوقوع والمرجوع ممتنع الوقوع.


الصفحة التالية
Icon