قوله تعالى :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾
قاصمة للقدرية وغيرهم.
قال ابن جريج : المعنى لا يسأله الخلق عن قضائه في خلقه وهو يسأل الخلق عن عملهم ؛ لأنهم عبيد.
بيّن بهذا أن من يسأل غداً عن أعماله كالمسيح والملائكة لا يصلح للإلهية.
وقيل : لا يؤاخذ على أفعاله وهم يؤاخذون.
وروي عن علي رضي الله عنه أن رجلاً قال له : يا أمير المؤمنين : أيحب ربنا أن يعصى؟ قال : أفيعصى ربنا قهراً؟ قال : أرأيت إن منعني الهدى ومنحني الردى أأحسن إلي أم أساء؟ قال : إن منعك حقك فقد أساء، وإن منعك فضله فهو فضله يؤتيه من يشاء.
ثم تلا الآية ﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾.
وعن ابن عباس قال : لما بعث الله عز وجل موسى وكلمه، وأنزل عليه التوراة، قال : اللهم إنك رب عظيم، لو شئت أن تطاع لأُطِعت، ولو شئت ألا تُعصى ما عُصيت، وأنت تحب أن تطاع وأنت في ذلك تُعصى فكيف هذا يا رب؟ فأوحى الله إليه : إني لا أسأل عما أفعل وهم يسألون.
قوله تعالى :﴿ أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ﴾ أعاد التعجب في اتخاذ الآلهة من دون الله مبالغة في التوبيخ ؛ أي صفتهم كما تقدم في الإنشاء والإحياء، فتكون "أم" بمعنى هل على ما تقدم، فليأتوا بالبرهان على ذلك.
وقيل : الأول احتجاج من حيث المعقول ؛ لأنه قال :"هُمْ يُنْشِرُونَ" ويحيون الموتى ؛ هيهات! والثاني احتجاج بالمنقول، أي هاتوا برهانكم من هذه الجهة، ففي أي كتاب نزل هذا؟! في القرآن، أم في الكتب المنزلة على سائر الأنبياء؟! ﴿ هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ ﴾ بإخلاص التوحيد في القرآن ﴿ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ﴾ في التوراة والإنجيل، وما أنزل الله من الكتب ؛ فانظروا هل في كتاب من هذه الكتب أن الله أمر باتخاذ آلهة سواه؟ فالشرائع لم تختلف فيما يتعلق بالتوحيد، وإنما اختلفت في الأوامر والنواهي.