اعلم أنه سبحانه لما قال :﴿وَهُمْ عَنْ ءاياتها مُعْرِضُونَ﴾ فصل تلك الآيات ههنا لأنه تعالى لو خلق السماء والأرض ولم يخلق الشمس والقمر ليظهر بهما الليل والنهار ويظهر بهما من المنافع بتعاقب الحر والبرد لم تتكامل نعم الله تعالى على عباده بل إنما يكون ذلك بسبب حركاتها في أفلاكها، فلهذا قال :﴿كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ وتقريره أن نقول قد ثبت بالأرصاد أن للكواكب حركات مختلفة فمنها حركة تشملها بأسرها آخذة من المشرق إلى المغرب وهي حركة الشمس اليومية، ثم قال جمهور الفلاسفة وأصحاب الهيئة، وههنا حركة أخرى من المغرب إلى المشرق قالوا وهي ظاهرة في السبعة السيارة خفية في الثابتة، واستدلوا عليها بأنا وجدنا الكواكب السيارة كلما كان منها أسرع حركة إذا قارن ما هو أبطأ حركة فإنه بعد ذلك يتقدمه نحو المشرق وهذا في القمر ظاهر جداً فإنه يظهر بعد الإجتماع بيوم أو يومين من ناحية المغرب على بعد من الشمس ثم يزداد كل ليلة بعداً منها إلى أن يقابلها على قريب من نصف الشهر وكل كوكب كان شرقياً منه على طريقته في ممر البروج يزداد كل ليلة قرباً منه ثم إذا أدركه ستره بطرفه الشرقي وتنكسف تلك الكواكب عنه بطرفه الغربي فعرفنا أن لهذه الكواكب السيارة حركة من المغرب إلى المشرق، وكذلك وجدنا للكواكب الثابتة حركة بطيئة على توالي البروج فعرفنا أن لها حركة من المغرب إلى المشرق.
هذا ما قالوه ونحن خالفناهم فيه، وقلنا : إن ذلك محال لأن الشمس مثلاً لو كانت متحركة بذاتها من المغرب إلى المشرق حركة بطيئة ولا شك أنها متحركة بسبب الحركة اليومية من المغرب إلى المشرق لزم كون الجرم الواحد متحركاً حركتين إلى جهتين مختلفتين دفعة احدة وذلك محال لأن الحركة إلى الجهة تقتضي حصول المتحرك في الجهة المنتقل إليها فلو تحرك الجسم الواحد دفعة واحدة إلى جهتين لزم حصوله دفعة واحدة في مكانين وهو محال.


الصفحة التالية
Icon