وقد مضى في "البقرة" أنها سبع أرضين بين كل أرضَين مسيرة خمسمائة عام، وسيأتي له في آخر "الطلاق" زيادة بيان إن شاء الله تعالى.
وقول ثالث قاله عكرمة وعطية وابن زيد وابن عباس أيضاً فيما ذكر المهدوي : إن السموات كانت رتقاً لا تمطر، والأرض كانت رتقاً لا تنبت، ففتق السماء بالمطر، والأرض بالنبات ؛ نظيره قوله عز وجل :﴿ والسمآء ذَاتِ الرجع * والأرض ذَاتِ الصدع ﴾ [ الطارق : ١١ ١٢ ].
واختار هذا القول الطبري ؛ لأن بعده ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ ﴾.
قلت : وبه يقع الاعتبار مشاهدة ومعاينة ؛ ولذلك أخبر بذلك في غير ما آية ؛ ليدل على كمال قدرته، وعلى البعث والجزاء.
وقيل :
يَهُونُ عليهم إذا يَغضبونَ...
سخطُ العداة وإرغامُها
ورَتْق الفُتوق وفَتْق الرُّتوق...
ونَقْضُ الأمورِ وإبرامُها
وفي قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ ثلاث تأويلات : أحدها : أنه خلق كل شيء من الماء ؛ قاله قتادة.
الثاني ؛ حفظ حياة كل شيء بالماء.
الثالث : وجعلنا من ماء الصلب كل شيء حيّ ؛ قاله قطرب.
"وجعلنا" بمعنى خلقنا.
وروى أبو حاتم البستي في المسند الصحيح له من حديث أبي هريرة قال : قلت : يا رسول الله! إذا رأيتك طابت نفسي، وقرّت عيني ؛ أنبئني عن كل شيء ؛ قال :" كل شيء خلق من الماء " الحديث ؛ قال أبو حاتم قول أبي هريرة :"أنبئني عن كل شيء" أراد به عن كل شيء خلق من الماء، والدليل على صحة هذا جواب المصطفى إياه حيث قال :" كل شيء خلق من الماء " وإن لم يكن مخلوقاً.
وهذا احتجاج آخر سوى ما تقدم من كون السموات والأرض رتقاً.
وقيل : الكل قد يذكر بمعنى البعض كقوله :﴿ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ النمل : ٢٧ ] وقوله :"تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ" والصحيح العموم ؛ لقوله عليه السلام :" كل شيء خلق من الماء " والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon