قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : ما ذكره ابن كثير رحمه الله صواب، واستقراء القرآن العظيم يدل عليه. وعليه فالمعنى : أفلا يرى كفار مكة ومن سار سيرهم في تكذيبك يا نبي الله، والكفر بما جئت به ﴿ أَنَّا نَأْتِي الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ ﴾ أي بإهلاك الذين كذبوا الرسل كما أهلكنا قوم صالح وقوم لوط، وهم يمرون بديارهم. وكما أهلكنا قوم هود، وجعلنا سبأ أحاديث ومزقناهم كل مُمَزَّق كل ذلك بسبب تكذيب الرسل، والكفر بما جاءوا به. وهذا هو معنى قوله :﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ القرى ﴾ [ الأحقاف : ٢٧ ] كقوم صالح وقوم لوط وقوم هود وسبأ، فاحذروا من تكذيب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. لئلا ننزل بكم مثل ما أنزلنا بهم. وهذا الوجه لا ينافي قوله بعده ﴿ أَفَهُمُ الغالبون ﴾ والمعنى : أن الغلبة لحزب الله القادر على كل شيء، الذي أهلك ما حولكم من القرى بسبب تكذيبهم رسلهم، وأنتم لستم بأقوى منهم، ولا أكثر أموالاً ولا أولاداً. كما قال تعالى :﴿ أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ والذين مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ [ الدخان : ٣٧ ] الآية. وقال تعالى :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ كانوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأرض فَمَآ أغنى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ [ غافر : ٨٢ ]، وقال تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ كانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ الأرض وَعَمَرُوهَآ ﴾ [ الروم : ٩ ] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
وإنذار الذين كذبوه ﷺ بما وقع لمن كذب من قبله من الرسل كثير جداً في القرآن. وبه تعلم اتجاه ما استحسنه ابن كثير رحمه الله من تفسير آية " الأنبياء " هذه بآية " الأحقاف " المذكورة كما بينا.