وقال ابن عاشور :
﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ﴾
عطف على جملة ﴿ سأريكم آياتي ﴾ [ الأنبياء : ٣٧ ] تطمين للنبيء ﷺ وتسلية له.
ومناسبة عطفها على جملة ﴿ لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ﴾ [ الأنبياء : ٣٩ ] إلى آخرها ظاهرة.
وقد تقدم نظير هذه الآية في أوائل سورة الأنعام.
﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم باليل والنهار مِنَ الرحمن ﴾
بعد أن سُلِّيَ الرسول ﷺ على استهزائهم بالوعيد أُمر أن يذكرهم بأن غرورهم بالإمهال من قِبل الله رحمة منه بهم كشأنه في الرحمة بمخلوقاته بأنهم إذا نزل بهم عذابه لا يجدون حافظاً لهم من العذاب غيره ولا تمنعهم منه آلهتهم.
والاستفهام إنكار وتقريع، أي لا يكلؤُهم منه أحد فكيف تجهلون ذلك، تنبيهاً لهم إذ نسوا نعمه.
وذكر الليل والنهار لاستيعاب الأزمنة كأنه قيل : من يكلؤكم في جميع الأوقات.
وقدم الليل لأنه زمن المخاوف لأن الظلام يُعين أسباب الضر على الوصول إلى مبتغاها من إنسان وحيوان وعلل الأجسام.
وذكر النهار بعده للاستيعاب.
ومعنى ﴿ من الرحمان ﴾ من بأسه وعذابه.
وجيء بعد هذا التفريع بإضرابات ثلاثة انتقالية على سبيل التدريج الذي هو شأن الإضراب.
فالإضراب الأول قوله تعالى :﴿ بل هم عن ذكر ربهم معرضون ﴾، وهو ارتقاء من التقريع المجعول للإصلاح إلى التأييس من صلاحهم بأنهم عن ذكر ربهم معرضون فلا يُرجَى منهم الانتفاع بالقوارع، أي أخِّرْ السؤال والتقريع واتركهم حتى إذا تورّطوا في العذاب عرفوا أن لا كالىء لهم.
ثم أضرب إضراباً ثانياً بـ ( أم ) المنقطعة التي هي أخت ( بل ) مع دلالتها على الاستفهام لقصد التقريع فقال :﴿ أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا ﴾، أي بل ألهم آلهة.
والاستفهام إنكار وتقريع، أي ما لهم آلهة مانعة لهم من دوننا.
وهذا إبطال لمعتقدهم أنهم اتخذوا الأصنام شفعاء.
وجملة ﴿ لا يستطيعون نصر أنفسهم ﴾ مستأنفة معترضة.