ويجوز أن يكون الفاعل المحذوف محذوفاً لقصد العموم، أي لا يصحبهم صاحب، أي لا يجيرهم جار فإن الجوار يقتضي حِماية الجار فيكون قوله تعالى :﴿ منا ﴾ متعلقاً بـ ﴿ يصحبون ﴾ على معنى ( مِن ) التي بمعنى ( على ) كقوله تعالى :﴿ فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾ [ غافر : ٢٩ ].
وإما مضارع أصحبه المهموز بمعنى حفظه ومنعه، أي من السوء.
والإشارة بـ ﴿ هؤلاء ﴾ لحَاضرين في الأذهان وهم كفار قريش.
وقد استقريْت أن القرآن إذا ذكرت فيه هذه الإشارة دون وجود مشار إليه في الكلام فهو يعني بها كفارَ قريش.
﴿ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى الأرض نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ الغالبون ﴾
قريع على إحالتهم نصر المسلمين وعدّهم تأخير الوعد به دليلاً على تكذيب وقوعه حتى قالوا :﴿ متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ﴾ [ الأنبياء : ٣٨ ] تهكماً وتكذيباً.
فلما أنذرهم بما سيحل بهم في قوله تعالى :﴿ لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفّون عن وجوههم النار ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ ما كانوا به يستهزئون ﴾ [ الأنبياء : ٣٩٤١ ] فرّع على ذلك كله استفهاماً تعجيبياً من عدم اهتدائهم إلى إمارات اقتران الوعد بالموعود استدلالاً على قربه بحصول أماراته.
والرؤية علمية، وسَدت الجملة مسَدّ المفعولين لأنها في تأويل مصدر، أي أعجبوا من عدم اهتدائهم إلى نقصان أرضهم من أطرافها، وأن ذلك من صنع الله تعالى بتوجه عناية خاصة، لكونه غير جار على مقتضى الغالب المعتاد، فمَن تأمّل علم أنه من عجيب صنع الله تعالى، وكفى بذلك دليلاً على تصديق الرسول ﷺ وعلى صدق ما وعدهم به وعنايةِ ربه به كما دلّ عليه فعل ﴿ نأتي.
فالإتيان تمثيل بِحال الغازي الذي يسعى إلى أرض قوم فيقتُل ويأسِرُ كما تقدم في قوله تعالى :{ فأتى الله بنيانهم من القواعد ﴾ [ النحل : ٢٦ ].