وقال أبو حيان :
ثم أمره تعالى أن يقول ﴿ إنما أنذركم بالوحي ﴾ أي أعلمكم بما تخافون منه بوحي من الله لا من تلقاء نفسي، وما كان من جهة الله فهو الصدق الواقع لا محالة كما رأيتم بالعيان من نقصان الأرض من أطرافها، ثم أخبر أنهم مع إنذارهم معرضون عما أنذروا به فالإنذار لا يجدي فيهم إذ هم صم عن سماعه.
ولما كان الوحي من المسموعات كان ذكر الصمم مناسباً و﴿ الصم ﴾ هم المنذرون، فأل فيه للعهد وناب الظاهر مناب المضمر لأن فيه التصريح بتصامهم وسد أسماعهم إذا أنذروا، ولم يكن الضمير ليفيد هذا المعنى ونفي السماع هنا نفي جدواه.
وقرأ الجمهور ﴿ يَسمع ﴾ بفتح الياء والميم ﴿ الصم ﴾ رفع به و﴿ الدعاء ﴾ نصب.
وقرأ ابن عامر وابن جبير عن أبي عمرو وابن الصلت عن حفص بالتاء من فوق مضمومة وكسر الميم ﴿ الصم الدعاء ﴾ بنصبهما والفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول ( ﷺ ).
وقرأ كذلك إلا أنه بالياء من نحت أي ﴿ ولا يسمع ﴾ الرسول وعنه أيضاً ﴿ ولا يسمع ﴾ مبنياً للمفعول ﴿ الصم ﴾ رفع به ذكره ابن خالويه.
وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي عن اليزيدي عن أبي عمرو ﴿ يُسمِع ﴾ بضم الياء وكسر الميم ﴿ الصم ﴾ نصباً ﴿ الدعاء ﴾ رفعاً بيسمع، أسند الفعل إلى الدعاء اتساعاً والمفعول الثاني محذوف، كأنه قيل : ولا يسمع النداء الصم شيئاً.
ثم أخبر تعالى أن هؤلاء الذين صموا عن سماع ما أنذروا به إذا نالهم شيء مما أنذروا به، ولو كان يسيراً نادوا بالهلاك وأقروا بأنهم كانوا ظالمين، نبهوا على العلة التي أوجبت لهم العذاب وهو ظلم الكفر وذلوا وأذعنوا.
قال ابن عباس :﴿ نفحة ﴾ طرف وعنه هو الجوع الذي نزل بمكة.