وقوله تعالى :﴿ وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مّنْ عَذَابِ رَبّكَ ﴾ بيان لسرعة تأثرِهم من مجيء نفس العذابِ إثرَ بيان عدمِ تأثرِهم من مجيء خبرِه على نهج التوكيد القسمي، أي وبالله لئن أصابهم أدنى شيءٍ من عذابه تعالى كما ينبىء عنه المس والنفحة بجوهرها وبنائها فإن أصلَ النفحِ هبوبُ رائحة الشيء ﴿ لَيَقُولُنَّ ياويلنا قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظالمين ﴾ ليدْعُنّ على أنفسهم بالويل والهلاك ويعترِفُنّ عليها بالظلم.
وقوله تعالى :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط ﴾ بيانٌ لما سيقع عند إتيانِ ما أُنذروه، أي نقيم الموازينَ العادلةَ التي توزن بها صحائفُ الأعمال، وقيل : وضعُ الموازين تمثيلٌ لإرصاد الحسابِ السويِّ والجزاء على حسب الأعمال، وقد مر تفصيلُ ما فيه من الكلام في سورة الأعراف، وإفرادُ القسطِ لأنه مصدرٌ وُصفَ به مبالغةً ﴿ لِيَوْمِ القيامة ﴾ التي كانوا يستعجلونها أي لجزائه أو لأجل أهلِه أو فيه كما في قولك : جئت لخمسٍ خلَوْن من الشهر ﴿ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ ﴾ من النفوس ﴿ شَيْئاً ﴾ حقاً من حقوقها أو شيئاً ما من الظلم، بل يوفى كلُّ ذي حق حقَّه إن خيراً فخيرٌ وإن شرًّا فشر، والفاء لترتيب انتفاء الظلم على وضع الموازين ﴿ وَإِن كَانَ ﴾ أي العملُ المدلولُ عليه بوضع الموازين ﴿ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ ﴾ أي مقدارَ حبة كائنةٍ من خردل، أي وإن كان في غاية القِلة والحَقارة فإن حبةَ الخردل مَثَلٌ في الصِغر، وقرىء مثقالُ حبة بالرفع على أن كان تامةٌ ﴿ أَتَيْنَا بِهَا ﴾ أي أحضرنا ذلك العملَ المعبَّر عنه بمثقال حبةِ الخردل للوزن، والتأنيث لإضافته إلى الحبة وقرىء آتينا بها أي جازينا بها من الإيتاء بمعنى المجازاة والمكافأةِ لأنهم أتَوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء، وقرىء أثبنا من الثواب وقرىء جئنا بها ﴿ وكفى بِنَا حاسبين ﴾ إذ لا مزيدَ على علمنا وعدْلِنا. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٦ صـ ﴾