ولما كان لا منعم بكلاية ولا غيرها سواه سبحانه، ذكرهم بذلك بصفة الرحمة فقال :﴿من الرحمن﴾ الذي لا نعمة بحراسة ولا غيرها إلا منه حتى أمنتم مكره ولو بقطع إحسانه، فكيف إذا ضربتم بسوط جبروته وسطوة قهرة وعظموته.
ولما كان الجواب قطعاً : ليس لهم من يكلؤهم منه وهو معنى الاستفهام الإنكاري، قال مضرباً عنه :﴿بل هم﴾ أي في أمنهم من سطواته ﴿عن ذكر ربهم﴾ الذي لا يحسن إليهم غيره ﴿معرضون﴾ فهم لا يذكرون أصلاً فضلاً عن أن يخشوا بأسه وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان.
ولما أرشد السياق إلى أن التقدير : أصحيح هذا الذي أشرنا إليه من أنه لا مانع لهم منا، عادله بقوله إنكاراً عليهم :﴿أم لهم ءالهة﴾ موصوفة بأنها ﴿تمنعهم﴾ نوبَ الدهر.
ولما كانت جميع الرتب تحت رتبته سبحانه، أثبت حرف الابتداء فقال محقراً لهم :﴿من دوننا﴾ أي من مكروه هو تحت إرادتنا ومن جهة غير جهتنا.
ولما كان الجواب قطعاً : ليس لهم ذلك، وهو بمعنى الاستفهام، استأنف الإخبار بما يؤيد هذا الجواب، ويجوز أن يكون تعليلاً، فقال :﴿لا يستطيعون﴾ أي الآلهة التي يزعمون أنها تنفعهم، أو هم - لأنهم لا مانع لهم من دوننا - ﴿نصر أنفسهم﴾ من دون إرادتنا فكيف بغيرهم، أو يكون ذلك صفة الآلهة على طريق التهكم ﴿ولا هم﴾ أي الكفار أو الآلهة ﴿منا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿يصحبون﴾ بوجه من وجوه الصحبة حتى يصير لهم استطاعة بنا، فانسدت عليهم أبواب الاستطاعة أصلاً ورأساً.


الصفحة التالية
Icon